ولد
الكاردينال جوزف راتزنغر، البابا بنديكتوس السادس عشر في بلدة ماركتيل آم
إن، في أبرشية باساو الألمانية، يوم سبت النور عام 1927، ونال سر المعمودية
في اليوم عينه. والده ضابط في الشرطة، متحدر من عائلة مزارعين في مقاطعة
بافاريا الجنوبية، وقد عاش في ظروف اجتماعية واقتصادية متواضعة. أما والدته
فمتحدرة من عائلة حرفيين من بلدة رينشتينغ الواقعة قرب بحيرة شيام. وقد
عملت قبل زواجها طاهية في فنادق عدة.
مراحل الطفولة والمراهقة والشباب
أمضى
راتزنغر طفولته ومراهقته في بلدة تراونشتاين الوديعة قرب الحدود الألمانية
النمساوية على بعد 30 كيلومتراً من مدينة سالزبورغ. في هذا الإطار، الذي
وصفه هو ذاته بأنه متأثر بـ"موزار"، تلقى تربية مسيحية، إنسانية وثقافية.
لم
تكن مرحلة شبابه بالسهلة، لكن إيمانه وتربيته العائلية كانا لهما الفضل في
إعداده لمواجهة التجربة القاسية التي مرّ بها إبّان مرحلة النظام النازي
الذي عرف بعدائه القوي للكنيسة الكاثوليكية. وقد كان الشاب جوزف شاهداً
لقيام النازيين بالاعتداء على كاهن رعيته قبيل احتفاله بالذبيحة الإلهية .
في
هذه الظروف المعقدة اكتشف جوهر الإيمان بالمسيح، وكان لأثر عائلته عليه
دوراً محورياً، كون هذه العائلة قد بثّت في نفسه شهادة ساطعة عن المحبة
والرجاء المتجّذر في وعي حقيقي لانتمائه إلى الكنيسة .
في الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية تمّ تطويعه قسراً في أجهزة الدفاع الجوي المساعدة .
بين
العامين 1946 و1951 درس الفلسفة واللاهوت في معهد فرايزينغ العالي وفي
جامعة ميونيخ ،رسم كاهناً عام1951. وفي العام التالي بدأ رسالة التدريس في
المعهد العالي في فرايزينغ .
في العام 1953 حصل على شهادة الدكتوراه في اللاهوت إثر مناقشته أطروحته: "شعب الله وبيته في عقيدة الكنيسة لدى القديس أغوسطينوس ".
بعد
انقضاء 4 سنوات حصل على شهادة تأهيل للتعليم، بناء على دراسته التي أعدّها
تحت إشراف أستاذ اللاهوت الشهير غوتليب زونغين والتي حملت عنوان: "لاهوت
التاريخ لدى القديس بونافنتور ".
من التعليم إلى المجمع الفاتيكاني الثاني
تولى
الأب راتزنغر تدريس مادة اللاهوت العقائدي واللاهوت الأساسي في المعهد
العالي للفلسفة واللاهوت في فرايزينغ، وفي الوقت عينه كان استاذاً في
جامعات بون من 1959 حتى 1963، مونستر من 1963 إلى 1966، وتوبينغين من 1966
إلى 1969. في هذه السنة الأخيرة أصبح قيّماً على كرسي العلوم العقائدية
وتاريخ العقيدة في جامعة راتيسبون التي كان أيضاً نائباً لرئيسها .
بين
العامين 1962 و1965 كانت له مساهمة فاعلة في المجمع الفاتيكاني الثاني
بصفة خبير، كما كان مساعداً للكاردينال جوزف فرينغز رئيس أساقفة كولونيا،
بصفة مستشار لاهوتي .
ساهم نشاطه
العلمي المكثّف في جعله يتولى مهام دقيقة في الجمعيّة العامّة لأساقفة
المانيا وفي اللجنة اللاهوتية الدولية ،في العام 1972 أسس بالتعاون مع عدد
من كبار اللاهوتيين في الكنيسة ومن بينهم هانز أورس فون بالتازار وهنري دو
لوباك المجلة اللاهوتية "كومونيو ".
رئيس أساقفة وكاردينال
في
عام 1977 عيّنه البابا بولس السادس رئيس أساقفة على ميونيخ وفرايزينغ
واحتفل بسيامته الأسقفية بذات العام. وقد كان أول كاهن من هذه الأبرشية
البافارية الكبرى تتم سيامته أسقفاً عليها منذ نحو 80 سنة. واتخذ شعاراً
له: "شريك الحقيقة". وشرح هو نفسه هذا الشعار بالقول: "يبدو لي أن هذا
الشعار يظهر بشكل أساسي الرابط العميق بين رسالتي التعليمية ورسالتي
الحالية. ولئن كانت النشاطات مختلفة، فإن محورها كلّها هو ضرورة السير في
اتجاه الحقيقة، بهدف خدمتها. إضافة إلى ذلك فقد اخترت هذا الشعار لأنه، في
عالم اليوم، باتت الحقيقة أمراً منسياً بصورة مطلقة، حيث تبدو صعبة المنال
بالنسبة للإنسان. لكن إذا فُقدت الحقيقة فإنّ كل البناء الإنساني ينهار
وفي نهاية عام 1977 عيّنه البابا بولس السادس كاردينالاً .
و في العام 1983 كان رئيساً منتدباً للجمعية العادية السادسة للسينودس التي انعقدت تحت عنوان: "المصالحة والتوبة في رسالة الكنيسة".
رئيس مجمع العقيدة والإيمان
في
عام 1981 عيّنه البابا يوحنا بولس الثاني رئيساً لمجمع العقيدة والإيمان
وكذلك رئيساً للجنة البيبلية البابوية وللجنة اللاهوتية الدولية. وقد
استقال لهذه الغاية من مهامه الرعائية كرئيس لأساقفة ميونيخ وفرايزينغ، وهو
ترأس ايضاً اللجنة التي أعّدت التعليم الديني في الكنيسة الكاثوليكية
والتي قدّمت ثمرة أعمالها للأب الأقدس بعد 6 سنوات من العمل المتواصل بين
العامين 1986 و1992.
في عام 1998
وافق البابا يوحنا بولس الثاني على انتخاب الكاردينال راتزنغر نائبا لرئيس
مجمع الكرادلة، وفي عام 2002 وافق على انتخابه عميداً لهذا المجمع.
المؤلفات
له
مؤلفات عدة من بينها كتاب "تمهيد للإيمان المسيحي" وهو يحتّل لديه مكانة
خاصة كونه يضمّ مجموعة الدروس الجامعية التي كان يعطيها حول الإيمان
الرسولي، وقد نشره في العام 1968. ولديه أيضاً كتاب يحمل عنوان: "العقيدة
والوحي" وهو مجموعة أبحاث وعظات وأفكار رعائية.
كما
انه وضع الخطاب الذي ألقاه أمام الأكاديمية الكاثوليكية في بافاريا في
كتاب حمل عنوان: "لماذا لا زلت أحيا في الكنيسة على الرغم من كل شيء؟" وقد
لاقى هذا الكتاب صدى واسعاً، حيث عبّر فيه، بوضوحه المعهود، أنّه "فقط داخل
الكنيسة يمكن للفرد أن يكون مسيحياً، وليس إلى جانبها".
من
هنا، فإنّ مؤلفاته العديدة ساهمت بشكل كبير في تعميق الفكر اللاهوتي حيث
كانت بمثابة محاور أساسية في هذا الفكر. في العام 1985 نشر كتاباً حوارياً
تحت عنوان: "العلاقة بالإيمان"، وفي العام 1996 أصدر كتاباً آخر تحت عنوان:
"ملح الأرض". ولمناسبة ذكرى ميلاده الـ70 أصدر كتابه "في مدرسة الحقيقة"،
وقد ضمّ مجموعة أبحاث لمفكّرين عدّة ألقوا الضوء على جوانب هامّة من شخصيته
ومؤلفاته.
و فى عام 2005، إنتخب حبراً أعظم، خلفا لقداسة البابا الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني.