إنها حرب مشهورة من حروب الشيطان
. و هذه الأفكار التي تحاربك ليست منك ، و إلا ما كنت تقاومها كما تقول . و لكن
الشيطان عنيد لحوح ، لا ييأس و لا يهدأ . و كلما يرد الإنسان علي فكر من أفكاره ،
يعود مرة أخري و يضغط و يلح . لذلك يقول القديس بطرس الرسول " قاوموه راسخين
في الإيمان " ( 1 بط 5 : 9 ) . و مع ذلك فإن وجود الله له إثباتات كثيرة .
لعل في مقدمتها ما يسميه الفلاسفة أو المفكرون بالعلة الأولي ، أي السبب الأول .
أي أن
الله هو السبب الأول لوجود هذا الكون كله .
و بدون
وجود الله ،لا نستطيع أن نفسر كيفية وجود الكون .
و هكذا نضع أمامنا عدة أمور لا يمكن أن يفسرها إلا وجود الله . و هي وجود
الحياة ، و وجود المادة ، ووجود الإنسان ، ووجود النظام في كل مظاهر الطبيعة .
يضاف إلي كل هذا الاعتقاد العام . و لنبدأ حالياً بنقطة أساسية و هي وجود الحياة .
وجود
الحياة :
سؤالنا هو : كيف وجدت الحياة علي الأرض ؟
المعروف
أنه مر وقت – كما يقول العلماء – كانت فيه الأرض جزءاً من المجموعة الشمسية ، في
درجة من الحرارة الملتهبة التي لا يمكن أي تسمح بوجود أي نوع من الحياة ، لا إنسان
و لا حيوان و لا نبات .
فمن أين أتت الحياة إذن ؟ من الذي أوجدها ؟ كيف ؟
هنا و يقف الملحدون و جميع العلماء صامتين حياري أمام وجود الحياة ز و لا
أقصد حياة الكائنات الراقية كالإنسان ، بل حتي حياة نملة صغيرة ، أو دابة ، أو أية
حشرة تدب علي الأرض ... مجرد وجود حياة واحدة من هذه الحشرات يثبت وجود الله .
بل مجرد
خلية حية أياً كانت ، مجرد وجود البلازما ن يثبت وجود الله . لأنه لا تفسير له غير
ذلك ...
إن الحياة حديثة علي الأرض ، ما دامت الأرض كانت من قبل قطعة ملتهبة لا
تسمح بوجود حياة . فالحياة إذن بعد أن بردت القشرة الأرضية . أما باطن الأرض
الملتهب ، الذي تخرج منه البراكين و النافورات الساخنة ، فلا يمكن أن توجد فيه
حياة . إذن كيف وجدت الحياة علي الأرض بعد أن بردت قشرتها .
طبيعي أن
المادة الجامدة ، التي لا حياة فيها ، لا يمكن أن توجد حياة . لأن فاقد الشئ لا
يعطيه ...
و يبقي وجود الحياة لغزاً لا يجد له العلماء حلاً
حله الوحيد هو قدرة الله الخالق الذي أوجد الحياة ... و إن كان هناك تفسير
اَخر ، فليقدمه لنا الملحدون أو علماؤهم ... ذلك لأن الكائن الحي لا بد أن يأتي من
كائن حي . و مهما قدم العلماء من افتراضات خيالية ، فإنها تبقي مجرد افتراضات لا
ترقي إلي المستوي العلمي ز بعد الحياة ، نتكلم عن إثبات اَخر و هو وجود المادة .
وجود
المادة :
و نعني به وجود هذه الطبيعة الجامدة و كل ما فيها من مادة ...
لا نستطيع أن نقول أن المادة قد أوجدت نفسها
فالتعبير غير منطقي . إذ كيف توجد نفسها و هي غير موجودة ؟ كيف تكون لها
القدرة علي الإيجاد قبل أن توجد ؟ إذن هذا الافتراض مستحيل . لا يبقي إذن إلا أن
هناك من أوجدها . فمن هو سوي الله ؟
و لا يمكن
أن نقول إنها وجدت بالصدفة كما يدعي البعض ...
فالصدفة لا توجد كائنات 0 وكلمة ( الصدفة ) كلمة غير علمية و غير منطقية
00 ويحتاج إلى تعريف 0 فما هى الصدفة إذن ؟ و ما هى قدرتها ؟ و هل الصدفة كيان له
خواص ، منها الخلق ؟!
كذلك لا
يمكن أن نقول إن المادة أزلية ! أو الطبيعة أزلية !
من المحال
أن تكون المادة الأزلية . لأن الأزلية تدل علي القوة بينما المادة فيها ضعف .
فهي تتحول من حالة إلي حالة ، و تتغير من حالة إلي أخري . الماء يتحول إلي
بخار ، و قد يتجمد و يتحول غلي ثلج . و الخشب قد يحترق و يتحول إلي فحم ، و قد
يتحول إلي دخان و يتبدد في الجو . كما أن كثيراً من المواد مركبة . و المركب هو
اتحاد عنصرين أو عناصر ، و يمكن أن ينحل و يعود إلي عناصره الأولي .
فالطبيعة إذن متغيرة ،و
التغير لا يدل علي قوة . فلا يمكن أن تكون مصدراً لخلق مادة أخري .
كذلك
فالطبيعة جامدة ،و بلا عقل و لا تفكير ،و بهذا لا يمكن أن تكون مصدراً للخلق .
و هناك سؤال هام و هو : ما المقصود بكلمة
الطبيعة ؟
أهي المادة الجامدة ؟ أهي
الجبال و البحار و الأرض و الجو ؟ إن كانت هكذا ، فهي لا تستطيع أن تخلق إنساناً
أو حيواناً . فغير الحي لا يخلق حياً ، و غير العاقل لا يخلق عاقلاً ... فهل طبيعة
الإنسان هي التي كونته ؟! و هذا غير معقول . لأنه لم تكن له طبيعة قبل أنه يكون ،
و قادرة علي تكوينه !!
أم أن
كلمه الطبيعة تدل علي قوة جبارة غير مفهومة ؟
إن كان الأمر كذلك ، فلتكن هذه القوة غير المدركة هي الله ،و قد سماها
البعض الطبيعة . و يكون الأمر مجرد خلاف حول التسميات ، و ليس خلافاً في الجوهر ز
إن كل الملحدين الذين قالوا إن الطبيعة قد أوجدت الكون ، لم يقدموا لنا معني
واضحاً لهذه الطبيعة ! نقطة أخري نذكرها في إثبات وجود الله ، و هي الإنسان .
وجود
الإنسان :
هذا الكائن العجيب ، الذي له عقل و روح و ضمير و مشيئة و لا يمكن أن توجده
طبيعة بلا عقل و لا مشيئة و لا حياة و لا ضمير !! كيف إذن أمكن وجود هذا الكائن ،
بكل ما له من تدبير و مشاعر ؟! الكائن صاحب المبادئ ، الذي يحب الحق و العدل ، و
يسعي إلي القداسة و الكمال ؟ لا بد من وجود كائن اَخر أسمي منه ليوجده ... لا بد
من وجود كائن كلي الحكمة ، كلي القدرة ، بمشيئة تقدر أن توجده ...و هذا ما نسميه
الله ...
و بخاصة
للتركيب العجيب المذهل الذي لهذا الإنسان .
يكفي أن
نذكر بصمة اصابعه ، و بصمة صوته .
عشرات الملايين قد توجد في قطر واحد . و كل إنسان من هؤلاء تكون لأصابعه
بصمة تميزه عن باقي الملايين . فمن ذا الذي يستطيع أن يرسم لكل اصبع خطوطاً تميز
بصمته . و تتغير هذه الخطوط من واحد لآخر ، وسط آلاف الملايين في قارة واحدة مثل
آسيا ، و أو مئات الملايين في قارة مثل افريقيا ؟! إنه عجيب !! لابد من كائن ذي
قدرة غير محدودة ، استطاع أن يفعل هذا ...و ما نقوله عن بصمة الأصبع ، نقوله أيضاً
عن بصمة الصوت . إنسان يكلمك في التليفون . فنقول له " أهلاً ، فلان " .
تناديه بإسمه و أنت لا تراه ، مميزاً بصمة صوته عن باقي الأصوات ...
قدرة الله
غير المحدودة تظهر في خلقه للإنسان من أعضاء عجيبة جداً في تركيبها و في وظيفتها
...
المخ مثلاً و ما فيه من مراكز البصر ، و الصوت و الحركة ، و الذاكرة و
الفهم ... إلخ . بحيث لو تلف أحد هذه المراكز ، لفقد الإنسان قدرته علي وظيفة هذا
المركز إلي الأبد ...! من في كل علماء العالم يستطيع أن يصنع مخاً ، أو مركزاً
واحداً من مراكز المخ ؟! إنها قدرة الله وحده . و يعوزنا الوقت إن تحدثنا عن كل
جهاز من أجهزة جسد الإنسان ، و عن تعاون كل هذه الأجهزة بعضها مع البعض الآخر في
تناسق عجيب . و أيضاً عن العوامل النفسية المؤثرة في الجسد ز و عن النظام المذهل
الموجود في تركيبة هذه الطبيعة البشرية . هنا و أحب أن أتعرض إلي نقطة أخري لإثبات
وجود الله ، و هي النظام العجيب الموجود في الكون كله .
نظام
الكون :
إنك إن رأيت كومة من الأحجار ملقاة في مكان ، ربما تقول إنها وجدت هناك
بالصدفة . أما إن رأيت أحجاراً تصطف إلي جوار بعضها البعض ، و فوق بعضها البعض ،
حتي تكون حجرات وصالات بينها أبواب و لها منافذ و شرفات ... فلا بد أن تقول :
يقيناً هناك مهندس أو بناء وضع لها هذا النظام ...
هكذا
الكون في نظامه ، لا بد من أن الله قد نظمه هكذا . حتي ان بعض الفلاسفة أطلقوا علي
الله لقب ( المهندس الأعظم ) .
*و لنضرب المثل الأول بقوانين الفلك . و ذلك النظام العجيب الذي يربط بين
الشموس الكواكب ، و الذي تخضع له النجوم
في حركتها و في اتجاهاتها ، مع العدد الضخم من المجرات و الشهب ... الأرض تدور حول
نفسها مرة كل يوم ، ينتج عنها النهار و الليل . و مرة كل عام حول الشمس ، تنتج
عنها الفصول الأربعة ز و هذا النظام ثابت لا يتغير منذ اَلاف السنين ، أو منذ خلقت
هذه الأجرام السمائية و وضعت لها قوانين الفلك التي تضبطها ... لهذا كان علم الفلك
يدرس في كليات اللاهوت ، لأنه يثبت وجود الله ، و بالمثل كان يدرس علم الطب ، لنفس
الغرض . نفس قانون الفلك نلاحظه في العلاقة بين القمر و الأرض ، التي تنتج عنها
أوجه القمر بطريقة منتظمة من محاق إلي هلال إلي تربيع إلي بدر .. لكل هذا ما أجمل
قول المرتل في المزمور :
"
السموات تحدث بمجد الله ، و الفلك يخبر بعمل يديه " ( مز 19 : 10 ) .
ليس النظام الذي وضعه الله في الكون قاصراً علي السماء و ما فيها ، إنما
أيضاً ما يختص بالحرارة وضغط الهواء و الرياح و الأمطار . و كل هذا يحدث في كل بلد
بطريقة منتظمة متناسقة ، مع ما يتبعه من أنظمة الزراعة و النباتات .
بل ما
أعجب ما وضعه الله من نظام في طبيعة النحلة و إنتاجها .
إنها مجرد حشرة . و لكنها تعمل في نظام ثابت و مدهش ، و كأنها في جيش
منتظم ، سواء الملكة أو العمال ، و تنتج شهداً له فوائد كثير جداً ، و بخاصة نوع
غذاء الملكات ذي القيمة الغذائية الهائلة الذي يصنعونه فيما يعرف باسم Royal Jelly و يبيعونه في الصيدليات . و ما أجمل ما قاله أمير
الشعراء أحمد شوقي عن مملكة النحل :
مملكة مدبرة بأمرأة مؤمرة
تحمـل في
العمـل و الصنـاع عبء السيـطرة
أعـجـب
لـعمـال يولون علـيهم قيـــصرة
هذه النحلة في نظامها تثبت وجود الله . و شهدها الذي تنتجه – في عمق
فوائده – يثبت هو أيضاً وجود الله . إثبات اَخر لوجود الله هو المعجزات .
المعجزات
:
و
المعجزات ليست ضد العقل . و لكنها مستوي فوق العقل .
و لكنها سميت معجزات ، لأن العقل البشري عجز عن إدراكها أو تفسيرها . و
ليس لها إلا تفسير واحد و هو قدرة الله غير المحدودة . هذه التي قال عنها الكتاب
" ز كل شئ مستطاع عند الله " ( مر 10 : 27 ) . و كذلك قول أيوب الصديق
" علمت أنك تستطيع كل شئ و لا يعسر عليك أمر " ( أي 42 : 2 ) .
و المعجزات ليست قاصرة علي ما ورد في الكتاب المقدس ، و إنما هي موجود في
حياتنا العملية ، و بخاصة من بعض القديسين .
إن لم يكن شئ من هذا قد مر عليك في حياتك أو في حياة بعض أقاربك أو معارفك
، فاقرأ عنه في الكتب التي سجلت بعض هذه المعجزات في أيامنا ، أو في حياة قديسين
قد سبقونا مثل الأنبا ابرام أسقف الفيوم ، أو أنبا صرابامون أبو طرحة ، أو ما
يتكرر حدوثه كثيراً في أعياد القديسين . فهذه الذكري تثبت الإيمان في قلبك ...
نقطة أخري
في إثبات وجود الله و هي الإعتقاد العام .
الاعتقاد
العام :
الإعتقاد
بوجود الله موجود عند جميع الشعوب ، حتي عند الوثنيين : يؤمنون بالألوهية ، و لكن
يخطئون من هو الله ...
بل وصل بهم الأمر إلي الإيمان بوجود آلهة كثيرين – و بعضهم اَمن بوجود إله
لكل صفة يعرفها من صفات الألوهية – و عرفوا ايضاً الصلاة التي يقدمونها لله ن و ما
يقدمونه من ذبائح و قرابين ...
و الإيمان
بالله مغروس حتى في نفوس الأطفال .
فإن حدثت الطفل عن الله ، لا يقول لك من هو .و إن قلت له " لا تفعل
هذا الأمر ، لكي لا يغضب الله عليك " ، لا يجادلك في هذا ... إنه بفطرته يؤمن بوجود الله ، و لا يهتز هذا الإيمان في
قلبك أو في فكره ، إلا بشكوك تأتي إليه من الخارج : إما كمحاربات من الشيطان أو من
أفكار الناس . و ذلك حينما يكبر و يدخل في سن الشك .
علي أن
الإلحاد له أسباب كثيرة ليست كلها دينية .
ففي البلاد الشيوعية ، كان سبب الإلحاد هو التربية السياسية الخاطئة ، مع
الضغط من جانب الحكومة ، و الخوف من جانب الشعب . فلما زال عامل الخوف بزوال الضغط
السياسي دخل في الإيمان عشرات الملايين في روسيا و رومانيا و بولندا و غيرها ز أو
أنهم أعلنوا إيمانهم الذي ما كانوا يصرحون به خوفاً من بطش حكوماتهم .
نوع من
الإلحاد هو الإلحاد الماركسي . و قد وضعه بعض الكتاب بأنه كان رفضاً لله ، و ليس
إنكاراً لوجود الله .
نتيجة لمشاكل إقتصادية ، و سبب الفقر الذي كان يرزح تحته كثيرون بينما
يعيش الأغنياء في حياة الرفاهية و البذخ ، لذلك إعتقد هؤلاء الملحدون أن الله يعيش
في برج عاجي لا يهتم بالآم الفقراء من الطبقة الكادحة !! فرفضوه و نادوا بأن الدين
هو أفيون للشعوب يخدرهم حتي لا يشعروا بتعاسة حياتهم ...
نوع آخر
من الإلحاد هو إلحاد الوجوديين الذين يريدون أن يتمتعوا بشهواتهم الخاطئة التي
يمنعهم الله عنها .
و هكذا لسان حالهم يقول " من الخير أن يكون الله غير موجود ، لكي
نوجد نحن " أي لكي نشعر بوجودنا في حقيق شهواتنا .. و
هكذا سخروا من الصلاة الربانية بقولهم " أبانا الذي في السموات " . نعم
ليبقي هو في السموات ، و يترك لنا الأرض ...
إذن ليس
هو اعتقاداً مبنياً علي أسس سليمة .
إنما هو سعي وراء شهوات يريدون تحقيقها ...
قصة :
أخيراً أحب أن أقول لك قصة أختم بها هذا الحديث .
إجتمع مؤمن و ملحد . فقال الملحد للمؤمن : ماذا يكون شعورك لو اكتشفت بعد
الموت أنه لا يوجد فردوس و نار ، و ثواب و عقاب ، بينما قد أتعبت نفسك عبثاً في
صوم و صلاة و ضبط نفس
فأجاب المؤمن : أنا سوف لا أخسر شيئاً ، لأني أجد لذة في الحياة الروحية .
و لكن ماذا يكون شعورك إن أكتشفت بعد الموت أنه يوجد ثواب و عقاب و فردوس و نار
..؟
أما أنت أيها الابن العزيز ، فلتثبت الرب إيمانك .