الموقع الرسمي لدير تاوضروس المشرقي (المحارب)غرب الأقصر..
الجمعة, 2024-04-26, 4:51 AM

الاعلانات والاهداءات

..منتدي المتنيح البابا شنودة الثالث...يمكنكم الان الاستماع لجميع الترانيم الصوتية للمرنمين فاديا بزي..ساركيس دياربي ...فريق الاغابي.. ليديا شدييد...سامح ميخائيل...فيروز...هاني ابراهيم...اسحاق ابراهيم...ماهر فايز ...ايمن كفروني..هايدي منتصر..فيليب ويصا..زياد شحاتة..جميع الالبومات وذلك في قسم الترانيم الصوتية...اكثر من 100 ترنيمة فيديو كليب لاكثر من مرنم في قسم ترانيم فيديو. يمكنكم الان من خلال موقعنا الاستماع المباشر طيلة 24 ساعة للراديوهات المسيحية من قلب الكنيسة القبطية الارثوذوكسية من ترانيم والحان وقداسات واجتماعات وتسبحة مباشرة من الكنائس القبطية..يمكنكم الان من خلال موقعنا مشاهدة القنوات الفضائية الرياضية والقنوات الاخبارية وقنوات الاطفال ...يمكنك الان مشاهدة جميع القنوات الفضائية المسيحية مباشرة..حصرياً اكبر مكتبة افلام فيديو وداعاً لتعب التحميل والانتقال بين الاجزاء اكبر مجموعة افلام دينية مشاهدة مباشرة بدون اجزاء وسهولة التحميل...حصرياً قصة حياة الشهيدين تاوضروس المشرقي واقلوديوس الفارسي دراما مسموعة...الان يوجد بالمنتديات منتدي قديسين معاصرين الاباء المتنيحين قديسي دير المحارب ..ومنتدي الشباب ..ومنتدي التعمير..منتدي اعداد خدام....منتدي الرياضة..منتدي الشعر والخواطر.منتدي مشاكل الشباب والقضايا المعاصرة .منتدي طلب صلاة... ... اذكرونا في صلواتكم
خلفية متلونة
CHRISTIAN NEWS:
القائمة الرئيسية
المنتديات
مكتبة الكتب
مكتبة الفيديو
المكتبة الصوتية
راديوهات مسيحية
القنوات الدينية
قناة اليوتيوب
قسم البرامج
Particularly in En
قريبا
Block content
تصويتنا
تقييم الموقع
مجموع الردود: 95
طريقة الدخول
إحصائية
المتواجدون الآن: 1
زوار: 1
مستخدمين: 0
و
الرئيسية » FAQ [ إضافة سؤال ]


عن كتاب قداسة البابا شنودة الثالث ..اسئلة لاهوتية وعقائدية       

                             : هناك أمور لا يجد الإنسان نفسه مخيراً فيها 0

حقاً إن الإنسان لم يكن مخيراً من جهة الوطن الذى ولد فيه ، والشعب الذى نشأ بينه ، و من جهة الوالدين اللذين ولداه ، نوع البيئة التى أحاطت بطفولته وتأثيرها عليه ، وكذلك نوع التربية التى عومل بها 0

   ولم يكن الإنسان مخيراً من جهة جنسه ، ذكراً كان أو أنثى ز و لم يكن مخيراً من جهة شكله ولونه ، وطوله أو قصيره ، ودرجة ذكائه ، وبعض المواهب التى منحت له أو التى حرم منها ، و ما ورثه عن والديه 00 الخ

و لكن الإنسان فى تصرفاته و أعماله الأدبية ، هو مخير بلا شك 0

يستطيع أن يعمل هذا العمل أو لا يعمله 0 يستطيع أن يتكلم أو يصمت 0 بل إنه يستطيع إن أراد أن يصلح أشياء كثيرة مما ورثها ، وأن يغير مما تعرض له من تأثير البيئة والتربية

ويمكنه أن يلقى الماضى كله جانباً ، ويبدأ حياة جديدة مغايرة للماضى كله ، يتخلص فيها من كل التأثيرات السابقة التى تعرض لها منذ ولادته

وكم من أناس استطاعوا فى كبرهم أن يتحرروا من تأثيرات البيئة والتربية والوارثة التى أحاطت بهم فى صغرهم 0 وذلك بدخولهم فى نطاق تأثيرات أخرى جديدة ، عن طريق القراءة ، أو الصداقة والعشرة ، أو بتأثير مرشدين روحيين ومعلمين جدد ، أو بتأثير الدين والإجتماعات  كما حدث لأشخاص نشأوا فى حياة ضائعة وتابوا ، أو غيرهم نشاوا فى حياة روحية وضلوا 0

وحتى من جهة المواهب أيضاً 00!

يمكنه أن ينمى المواهب التى ولد بها ، أو أن يضعفها بعدم الإستخدام 0 وقد يكون إنساناً قليل المواهب ، ويستطيع أن يتعهد هذا القليل بالممارسة و الإهتمام فتكبر مواهبة ، أو يكتسب مواهب لم تكن عنده ، ويصير فى حالة أفضل ممن ولد موهوباً وأهمل مواهبة 0

وهناك أمور كثيرة تدل على أن الإنسان مخير لا مسير 0

1- إن وجود الوصية الإلهية دليل على أن الإنسان مخير 0

لأنه إن كان الإنسان مسيراً ، و لا يملك إرادته و لا حريته ، فما معنى الوصية إذن ؟! و ما فائدة الوصية إن كان الإنسان عاجزاً عن السير فيها ، وإن كان مسيراً على الرغم منه فى اتجاه عكسى ؟! و على رأى الشاعر الذى قال :

ألقاه فى اليم مكتوفاً وقال له    إياك إياك أن تبتل بالماء

وحتى إن كان الإنسان مسيراً فى طريق الوصية ، فلا لزوم للوصية إذن 0 لأنه سيسير فى هذا الطريق بالذات ، وجدت الوصية  إن لم توجد !!

ولكن الأمر المنطقى هو أن وجود الوصية دليل على أن الإنسان مخير ، هو فى حريته يتبع وصية الله أو لا يتبعها 0 وهذا ما نشاهده فعلاً 0 بإمكان الإنسان أن يطيع وصايا الله إن أراد 0 أو يعصاها إن أراد 0 لأن الله وهبه حرية الإرادة وحرية الإختيار0 وضع أمامه الخير ، ولكنه لم يرغمه على السير فيه 0

2- وجود الخطية دليل على أن الإنسان مخير 0

فلو كان الإنسان مسيراً ، فهل من المعقول أن الله يسيره نحو الخطيئة ؟ وبذلك يكون شريكاً معه فى أرتكابها ؟! حاشا0 إن هذا أمر لا يقبله العقل 00 و لا يتفق مطلقاً مع طبيعة الله 

الذى هو قدوس وصالح ، يكره الشر و لا يوافق عليه ، و يدعو كل الناس إلى التوبة وترك الخطية

إذن حينما توجد خطية ، يكون الإنسان قد فعلها باختياره و بإرادته ، أى أنه كان مخيراً فيما يفعله 0 إن كان الإنسان مخيراً فى فعل الشر ، فإنه بالأولى و بالأحرى يكون مخيراً فى فعل الخير ، وخيراً أيضاً فى أن أيضاً فى أن يتجه إلى التوبه  وترك الخطية 0 والله يدعو الجميع إلى التوبة 0 و لكنه يتركهم إلى اختيارهم ، يتوبون أو لا يتوبون 00

2- وجود الخطية دليل على أن الإنسان مخير 0

فلو كان الإنسان مسيراً ، فهل من المعقول أن الله يسيره نحو الخطيئة ؟ وبذلك يكون شريكاً معه فى ارتكابها ؟! حاشا 0 لإن هذا أمر لا يقبله العقل 00 و لا يتفق مطلقاً مع طبيعة الله الذى هو قدوس وصالح ، يكره الشر و لا يوافق عليه ، ويدعو كل الناس إلى التوبة وترك الخطية 0

إذن حينما توجد خطية ، يكون الإنسان قد فعلها باختياره وبإرادته ، أى أنه كان مخيراً فيما يفعله 0 وإن كان الإنسان مخيراً فى فعل الشر ، فإنه بالأولى وبالأحرى يكون مخيراً فى فعل الخير ، ومخيراً أيضاً فى أن يتجه إلى التوبة وترك الخطية 0 والله يدعو الجميع إلى التوبة 0 ولكنه يتركهم إلى اختيارهم ، يتوبون أو لا يتوبون 00

3- وجود الدينونة دليل على أن الإنسان مخير 0

مجرد وجود العقاب والثواب دليل على أن الإنسان مخير فيما يفعله 0 لأنه من أبسط  قواعد  العدل ، أن لا يحكم على إنسان ما لم يكن فى تصرفاته عاقلاً حراً مريداً 0 فإن ثبت انعدام الحرية والإرادة ، لا يحكم له أو عليه ، إذ أنه لا مسئولية حيث لا حرية 0

وبناء على هذا لا يمكن أن يكن أن يحكم الله على خاطئ بالعذاب الأبدى ، ما لم يكن هذا الإنسان بكامل اختياره قد شاء لنفسه السلوك الردئ وارتكبه ، فأخذ لنفسه جزاء إرادته وعمله 0 و على قدر ما تكون له من إرادة ، هكذا تكون عقوبته 0

ومحال أن يعاقب الله إنساناً مسيراً ، لأنه ما ذنب هذا المسير 0 العقوبة بالأحرى تكون على من سيره نحو الخطأ 0 ونفس الكلام نقوله من ناحية الثواب 0 فالله يكافئ من فعل الخير باختياره

بإرادته ورغبته 0 أما إن كان مسيراً ، فإنه لا يستحق ثواباً 0

4-وأخيراً ، نود أن نقدم أربع ملاحظات :

أولاً : إن الله يحث كل إنسان على الخير ، ويرشده ليبعد عن الخطأ 0 سواء عن طريق الضمير  أو المرشدين وألآباء والمعلمين ، وبكل عمل النعمة 0 و مع ذلك يتركه إلى اختياره يقبل أو لا يقبل 0

ثانياً :  إن الله يتدخل أحياناً لإيقاف شرور معينه ، يمنع من ارتكابها 0 و فى هذه الحالة لا يكون فضل لمن ترك هذا الشر ، و لا يكون له ثواب 0هنا من أجل الصالح ، يسير الله الأمور بنفسه ، أو يحول الشر إلى خير 0 أما فى باقى أمور الإنسان العادية وتصرفاته فهو مخير ويملك إرادته 0

ثالثاً :  قد يفقد الإنسان إرادته بإرادته 0 أى أنه ربما بإرادته يستسلم لخطية معينة ، إلى أن تصير عادة أو طبعاً ، يخضع لها فيما بعد ويفعل ما يريده هذا الطبع ، وكأنه أمامه يغير إرادة

ولكنها عدم إرادة ، تسببت عن إرادة سابقة ، فعلها الإنسان و هو مخير 0

رابعا : إن الله سيحاسب كل إنسان فى اليوم الأخير ، على قدر ما وهبه من عقل وإدراك ، وعلى قدر ما لديه من إمكانية وإرادة واختيار 0 ويضع الله فى اعتباره ظروف الإنسان ، و ما يتعرض له من ضغوط ، مدى قدرته أو عدم قدرته فى الإنتصار على هذه الضغوط 0  



 عن كتاب قداسة البابا شنودة الثالث..اسئلة لاهوتية وعقائدية

                     : إن الله لم يخلق الإنسان لكى يعبده ويمجده 0 فليس الله محتاجاً لتمجيد

                من الإنسان وعبادة 0 وقبل خلق الإنسان كانت الملائكة تمجد الله وتعبده 0 على أن الله لم يكن محتاجاً أيضاً لتمجيد من الملائكة ، هذا الذى تمجده صفاته 0

الله لا ينقصه شئ يمكن أن يناله من مخلوق ، إنساناً كان أو ملاكاً 0 

و ما أصدق تلك الصلاة التى يصليها الإنسان فى القداس الغريغورى قائلا للرب الإله " لم تكن أنت محتاجاً إلى عبوديتى 0 بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك " 00 إذن لماذا خلق الله الإنسان ؟ 

بسبب جود الله وكرمه ، خلق الإنسان ليجعله يتمتع بالوجود

قبل الخليقة كان الله وحده 0 كان الله منذ الأزل هو الكائن الوحيد الموجود 0 وكان مكتفياً بذاته  وكان ممكناً ألا يوجد الإنسان ، و لا مخلوق آخر 0 ولكن الله من كرمه وصلاحه ، أنعم بنعمة الوجود على هذا العدم الذى أسماء إنساناً 0 خلقه لكى يتمتع بالوجود 0

إذن من أجل الإنسان تم هذا الخلق 0 وليس لأجل الله 0

خلقه لكى ينعم بالحياة 0 وإن أحسن السلوك فيها ، ينعم بالأبدية 0

ونفس الكلام يمكن أن نقوله على الملائكة أيضاً 00 إنه كرم من الله ، أن أشركنا فى هذا الوجود ، الذى كان ممكناً أن يبقى فيه وحده و محال أن يكون سبب الخلق ، هو رغبة الله فى أن يتمجد من الإنسان أو من غير الإنسان 0

ونحن حينما نمجد الله ، إنما ننتفع نحن وليس الله 0

و ذلك أننا حينما نذكر إسم الله ونمجده ، إنما نرفع قلوبنا إلى مستوى روحى ، يعطى قلوبنا سمواً وطهارة وقراباً من الذات الإلهية 0 وبهذا ننتفع 0 فنحن محتاجون باستمرار إلى التأمل فى الله وتمجيده ، إذ بهذا أيضاً تشعر نفوسنا أنها على صلة بهذا الإله العظيم الذى له كل هذا المجد ، فنتعزى 00 ولهذا نقول " أنا المحتاج إلى ربوبيتك " 00

أما الله ، فمن الناحية اللاهوتية ، لا نريد و لا ينقص 0

لا يزيد شيئاً بتمجيدنا 0 و لا ينقص بعدم تمجيدنا 00

ألعلنى أستطيع ايضاً أن أقول إن الله خلقنا بسبب محبته لنا،هذا الذى مسرته فى بنى البشر0؟

الله الذى أحبنا قبل أن نوجد 0 ولأجل هذا أوجدنا 0

و ما معنى عبارة " أحبنا من أن نوجد " ؟

إن هذا يذكرنى بكلمة كتبتها فى مذكرتى فى عام 1957 على ما أذكر ، قلت فيها : " لى علاقة يا رب معك ، بدأت منذ الأزل ، وستستمر إلى الأبد 0 نعم أتجرأ وأقول : منذ الأزل 0

 منذ الأزل ، حينما كنت فى عقلك  فكرة ، و فى قلبك مسرة 0 



                : كلا 0 ليس الضمير هو صوت الله ، لأن الضمير كثيراً ما يخطئ ، و                  

                  صوت الله لا يخطئ 0

وأكبر دليل على هذا قول السيد المسيح لتلاميذه " تأتى ساعة يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله " ( يو 16 : 2 ) 0

وطبعاً هذا الضمير الذى يرى فى قتل التلاميذ خدمة لله ، لا يمكن إطلاقاً أن يكون هو صوت الله 0 وأمثال هذا كثير 00

الضمير قد يكون ضيقاً موسوساً ، يظن الخطية حيث لا توجد خطية ، أو يكبر من قيمة الخطية فوق حقيقتها 00 و قد يكون الضمير واسعاً يسمح بأشياء كثيرة خاطئة ويبررها 0 و كلا النوعين لا يمكن أن يكون صوت الله ، لا الضمير الذى يصف عن البعوضة ، و لا الذى يبلغ الجمل ( متى 23 ) إن الذى يقتل إنتقاماً لمقتل أخيه أو أبيه ، وضميره يتعبه إن لم يثأر لدم قربيه ، هذا لا يمكن أن يكون ضميره صوت الله 0 وبالمثل الذى يقتل أخته إذا زنت ، لكى يطهر سمعة الأسرة ، لا يمكن أن يكون الذى دعاه إلى القتل هو صوت الله 0

بعض الناس يخلطون بين الضمير والروح القدس 0

صوت الله فى الإنسان ، هو صوت روح الله العامل فيه 0 و هذا لا يمكن أن يخطئ 0 أما الضمير فيمكن أن يخطئ 0 و كثيراً ما يتحمس الإنسان لعمل شئ ، و ضميره يتعبه إن لم يعمله ، بينما يكون روح الله غير راض عن هذا العمل 0

وكثيراً ما يتغير ضمير الإنسان بالتعليم والتوجيه 0

فيرى اليوم حراماً ما كان يراه بالأمس حلالاً تماماً نتيجة لجهله أو سوء فهمه 0 فلو كان الضمير هو صوت الله ، هل يعقل أن يتغير فى حكمه اليوم عن الأمس ؟ ! إن تغير الضمير دليل على أنهى ليس صوت الله

إنسان يدعوه صميره باسم الرحمة والشفقة أن يغشش طالباً فى الإمتحان يبكى و هو معرض للرسوب 00 أو باسم الرحمة والشفقة ضمير طبيب يدعوه إلى كتابة شهادة مرضية لإنسان غير مريض 00 ثم يقتنع بالتوجيه فيما بعد أن هذا خطأ ، فلا يوافق ضميره عليه فى المستقبل 0 فكيف يكون الضمير صوت الله فى الإنسان ، و هو يدعو أحياناً إلى شئ ، و أحياناً أخرى إلى ضده ؟! أو إنسان يحكم ضميره يطيع أباً أو مرشداً روحياً ، حتى فى الخطأ 0 ثم يفهم الطاعة على السابقة التى كسر فيها وصية الله 00

إن الضمير هو صوت وضعه الله فى الإنسان ، يدعوه إلى الخير ، و يبكته على الشر ، و لكنه ليس صوت الله 0

وبالمثل وضع الله فى الإنسان عقلاً يدعوه إلى الخير 0 و جعل للإنسان روحاً تشتهى ضد الجسد 0 و مع ذلك كثيراً ما يخطئ العقل ، وكثيراً ما تخطئ الروح 0 كلاهما من الله ، و لكنهما ليسا عقل الله ، و لا روح الله 0 كذلك الضمير هو صوت وضعه الله ، ولكنه ليس صوت الله 0

صوت الله فى الإنسان ، هو روح الله العامل فيه 0 


المعروف أنه بحسب درجة عقل الإنسان وإدراكه يحاسبه الله ؟

           والمجنون على درجات وأنواع 0 فهناك شخص مجنون فى نقطة معينة بالذات ، ويتصرف كما لو كان عاقلاً تماماً فى باقى النقاط ، بحيث أن الذى لا يعرفه ، لا يقول عنه إنه مجنون 0 وهناك جنون متقطع ، قد يشفى منه الإنسان ، و يرجع إليه 0 وهناك جنون مطبق أى جنون كامل ، يكون العقل فيه مختلاً تماماً 0

والمجنون جنوباً مطبقاً ، لا يحاسب على شئ إطلاقاً 0

فلا يحاسب على أية خطية ارتكبها أثناء جنونه ، لأنه لا يدركها 0 إنما حسابه يكون على خطاياه السابقة للجنون فقط 0 و من وقت جنونه يعتبر كأنه قد مات ، فلا حساب 0

و فى باقى أنواع الجنون ، يحاسب على قدر إدراكه 0

وعلى قدر إمكانيته فى التحكم عقلياً فى تصرفاته 0 وإن كان الرب قد قال عن صالبيه " يا أبتاه إغفر لهم ، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون " ( لو 23 : 34  )  فكم بالأولى المجانين الذين هم فعلاً من الناحية العقلية " لا يدرون ماذا يفعلون " 00 ؟  

 


:  لو كان الجسد شراً فى ذاته ، ما خلقه الله 0

         ولعلنا نلاحظ أن الله بعد ما خلق الإنسان من جسد وروح ، نظر إلى كل ما عمله ، فإذا هو حسن جداً ( تك 1 : 31 ) 0 إذن لم يخلقه الله عنصراً للخطية 0 و لقد عاش آدم وحواء فترة بالجسد فى الجنة بدون خطية ، و فى بساطة و طهارة و براءة ، قبل أن تدخل الخطية إلى العالم 0

ولسنا نستطيع أن نقول إن الجسد بدأ بالخطية ! 

وحقا هناك ثمرة محرمة وأكل  منها 0 و لكن سبق الأكل شهوة الألوهية ، وشهوة المعرفة ، و الشك فى كلام الله 0 ( و كل هذه أخطاء للروح ) ، و قد كان إغراء الحية واضحاً " لن تموتاً " هنا الشك 0 و أيضاً إغراء الألوهية " تصيران مثل الله ، عارفين الخير و الشر "

( تك 3 : 5 ) أترى الروح قد اشتهت الألوهية والمعرفة ، فأسقطت الجسد معها ، فأكل من الثمرة لتوصله إلى كل هذا ؟! على الأقل يمكننا أن نقول :

إن سقطة الإنسان الأول ، كانت سقطة جسد وروح معاً 0

الإثنان اتحدا معاً فى عمل واحد ، هو كسر الوصية الإلهية 0 وللأسف فإن غالبية الناس يتحدثون فقط عن خطية الجسد ، الذى قطف وأكل 0 وينسون العوامل الداخلية التى دفعته إلى هذا ، و هى أخطاء من الروح 0 إذن يمكن أن تخطئ الروح كما يخطئ الجسد 0 و لا نقول إن الجسد وحده يخطئ 0

بل أول خطية عرفها الكون ، هى خطية روح 0

نقصد خطية الشيطان ، و هو روح لا جسد له ، لأنه كان ملاكاً 0 و الكتاب يقول " الذى خلق ملائكته أرواحاً " ( مز 104 : 4 )  

وقع فى خطية الكبرياء ، حينما قال " أصعد إلى السماوات 0 أرفع كرسى فوق كواكب الله 0 اصير مثل العلى " ( أش 14 : 13 ، 14 ) 0

أول خطية هى الكبرياء 0 و هى خطية روح 0
تلاها من الشيطان العناد والمقاومة وإعثار الآخرين ، إذ أسقط ملائكة آخرين معه ، ثم أعثر الإنسان 0 و كانت كلها خطايا روح بلا جسد 00
ووقع الشيطان أيضاً فى خطية الحسد ، كما نقول فى القداس الإلهى " والموت الذى دخا إلى العالم بحسد إبليس ، هدمته 00" 0 ووقع الشيطان وهو روح فى خطية الكذب ، كما فى كذبه على حواء 0 و قال عنه الرب إنه كذاب و أبو الكذاب ( يو 8 : 44 ) 0 

إذن الروح يمكن أن تخطئ وحدها بدون الجسد 0

فليست كل خطايا الروح هى انقيادها وخضوعها للجسد 0 كلا ، بل هناك خطايا قد تقع فيها الروح وحدها 0 وربما يقع الجسد معها مشتركاً فى تلك الخطايا 0 و لكن بالنسبة إلى الشيطان ، كانت كل الخطايا السابق ذكرها خطايا للروح فقط 0

فلا نقول إن الجسد هو سبب كل خطية 0

فهناك أخطاء كثيرة للروح 0 بل إن الجسد وحده بدون الروح ، لا يمكنه أن يخطئ 0 مثال ذلك الجسد الميت 0 فالروح تعطيه الحياة 0 و هى تشترك معه فى الخطية ، بخضوعها له 00 ففى خطية القتل مثلاً : هل تظنون ن الجسد فقط هو الذى اعتدى وضرب وقتل 0 أما إن خطايا الروح من الكراهية والعنف هى التى دفعته إلى هذا ؟ لقد سقطت روح قايين ، قبل أن يقتل أخاه بالجسد  0 ولأننا نعرف خطايا الروح و النفس ، نصلى فى القداس قائلين :

طهر نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا 0

ونقول إننا نتناول " طهارة لأنفسنا وأجسادنا وأروحنا " 00

إذن الروح ممكن أن تتدنس وتتنجس تماماً مثل الجسد 0 ولذلك نحن نقول فى صلاة الساعة الثالثة : طهرنا من دنس الجسد و الروح 0 

إذن ليس الجسد وحده هو الذى يخطئ 0 فالروح تخطئ أيضاً 0 و لذلك فإنها تعاقب فى الأبدية مع الجسد 0 و لا يعاقب الجسد وحده 0

لو كانت الروح قوية ، ما سقطت فى خطاياها الخاصة ، و ما خضعت للجسد مشتركة فى خطاياه 0 بل إن أبشع ما توصف به الروح فى الكتاب قوله عنها " أرواح نجسة " ، " أرواح شريرة " ( متى 10 : 1 ) 0 قيل هذا عن أرواح الملائكة الذين سقطوا 0 فبالحرى يمكن أن تقال عن أرواح البشر الأشرار 0

مشكلة الجسد أنه من المادة ، فيحاربه الإنجذاب إليها 0 

تحاربه الماديات والجسدانيات 0 لذلك فرص سقوطه أكثر ، لأن ميادين حروبه أكثر من الروح 0 و لكنه مع ذلك ، ليس بالضرورة خاضعاً للمادة ، بل يمكن أن يرتفع عن مستواها

ويستطيع و هو جسد أن يحيا بطريقة روحية 0 

وكما يحدث للجسد فى الصوم ، و فى السهر الروحى ، و فى النسك و الزهد فى الماديات ، وفى تعبه لأجل البر وخلاص الآخرين 00

ولهذا كله وأمثاله ، نحن نكرم أجساد القديسين 0

تلك الأجساد التى جاهدت من اجل الرب ن تألمت لأجله ، وعاشت طاهرة ، وأنتصرت فى حروب العدو ، واشتركت مع الروح فى كل بنود العبادة 00 ولسنا نحن وحدنا نكرمها ، بل الله نفسه ، الذى سمح أن ميتاً يقوم لما لمس اليشع ( 2 مل 4 )

ومن إكرام الرب للجسد ، أن جعله هيكلاً للروح القدس 0

وقال الرسول فى ذلك " أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هكيل الروح القدس " ( 1كو 6 : 19 ) 0 هل نستطيع أن نقول عن هيكل الروح القدس هذا إنه جسد الخطية ؟! حاشا0 هوذا الرسول يقول عنه أيضاً " ألستم تعلمون أن أجسادكم هى أعضاء المسيح " ( اكو 6 : 15 ) 00 مقدسة إذن هذه الأجساد 0 لذلك حسناًً قال الرسول :

فمجدوا الله فى أجسادكم و فى أرواحكم التى هى لله ( اكو 6 : 20 ) 0

إذن نستطيع أن نمجد الله بالجسد ، كما بالروح أيضا 0 وتظهر فى أجسادنا سمات الرب يسوع ، لكى تظهر حياة الرب يسوع ايضاً فى أجسادنا ( 2كو 4 : 10 )

إن جسدنا الذى أخذناه من الرب فى المعمودية ، ليس هو جسد الخطية ، الرسول يقول " لأنكم جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح ، قد لبستم المسيح " ( غل 3 : 27 ) 0

والله سيكرم هذا الجسد ، حينما يقيمه فى مجد 0 

حينما يقوم فى غير فساد ، جسداً روحانياً نورانياً ، قد تجلت طبيعته على سبه جسد مجده

بل إن أعظم إكرام للجسد ، أن المسيح أخذ جسداً 0

لو كان الجسد شراً فى ذاته ، عنصراً للخطية ، ما كان المسيح يأخذ جسداً من نفس طبيعتنا ، و يبارك طبيعتنا فيه 0

 الجسد يمكن أن يخطئ و يمكن أن يحيا طاهراً 0

وكذلك الروح أيضاً 00 و لا ننسى أن انتصار الجسد وهو مادة على جاذبية المادة ، و سلوكه بطريقة روحانية على الرغم من ماديته 00 هذا أمر عظيم لن ينسى له الله تعب محبته 0

إذن فلنمجد الله فى أجسادنا ، و فى أرواحنا التى لله 0 



                                   
: نحن لا نؤمن مطلقاً بها الأمر 0

                 وليس له أى سند عقيدى أو تاريخى 0

فلا نعرف أحداً من البشر يرجع نسبه إلى الشياطين 0 كما أن مثل هذا الكلام غير مقبول عقلياً 0 وعليه ردود كثيرة من الناحية العقيدية ، نذكر من بينها :

الشياطين أرواح ، و ليست لهم أجساد تتوالد كالبشر 0

إنهم أرواح باعتبارهم ملائكة 0 و قد سماهم الكتاب أرواحاً ( لو 10 : 17 ، 20 ) 0 و قال عنهم إنهم " أرواح نجسة " ( مت 10 : 1 ) 0 وأنهم " أرواح شريرة " ( لو 7 : 21 ، أع 19 : 12 ) 0 فكيف للأرواح أن تتوالد ؟ ! و كيف لهم ككائنات ليست لها أجساد ، أن تلد كائنات لها أجساد

وطبعاً الجنس و الزواج لا يوجد بين هذه الأرواح0

فالشياطين وإن كان فقدوا قداستهم إلا أنه لهم طبيعتهم الملائكية 0 و لذلك يقول سفر الرؤيا إنه حدثت حرب فى السماء بين ميخائيل و ملائكته و التنين ( أى الشيطان )   وملائكته " وحارب التنين و ملائكته 00 فطرح التنين العظيم ، الحية القديمة ، المدعو إبليس و الشيطان ، الذى يضل العالم كله 0 طرح إلى الأرض و طرحت معه ملائكته " ( رؤ 12 : 7 9 ) 0 و ماداموا ملائكة ، أنظر ماذا قال المسيح عن الملائكة فى حديثه عن القيامة 0 قال : " لأنهم فى القيامة لا يزوجون و لا يتزوجون  ، بل يكونون كملائكة الله فى السماء " ( متى 22 : 30 ) 0

إذن الملائكة لا يزوجون و لا يتزوجون 0 والشياطين ملائكة تنطبق عليهم هذه الصفة 0 إنهم قد يثيرون النواحى الجنسية بين البشر ، ولكنهم هم أنفسهم ليست لهم هذه الخواص الجنسية 0 فقد يظهر الشيطان فى شكل رجل أو فى شكل إمرأة 0 و لكن :

لا يوجد شيطان إمرأة ، و لا شيطان رجل 00

لا يوجد بين الشياطين ذكر و أنثى 0 و لا توجد لهم أجساد رجال ، و لا أجساد نساء 0 وبالتالى لا توجد فيهم مواد الإخصاب ، من حيوانات منوية أو بويضات 0 و لا يستطيعون أن يكونوا مصدراً لإيجاد إنسان ، و لا حتى لإيجاد شياطين 0 فالشياطين سبب كثرتها هو كثرة عدد الساقطين من الملائكة ، و ليس هو توالد بين الشياطين 0  

فإن كانوا لا يتوالدون فيما بينهم ، فبالأحرى مع البشر 0

و التوالد يحتاج إلى توافق فى النوع أو الفضيلة  0

فلا يحدث مثلاً توالد بين سمك وطير ، و لا بين طير وحيوان ولا بين حيوان وسمك 00 و لا بين إنسان و طير 00 لا بد إذن من توافق فى الجنس و النوع 0 و على نفس القياس لا يمكن أن يحدث توالد بين إنسان و شيطان ، بالإضافة إلى أن الشيطان ليس له جسد 0إن التاريخ لم يقدم لنا مثالاً واحداً لهذا التوالد 0  

 لا نعرف شخصاً واحداً قد ولد من أبوين أحدهما إنسان والآخر شيطان حتى يقدم لنا إجابة عن سؤال محير ، و هو أية الطبيعتين تكون الغالبة فى هذه العلاقة حتى يكون النسل إنساناً و يكون شيطاناً ، أو ( شيطو إنسان ) 00 ‍ وهل يكون مرئياً أم غير مرئى 00 ‍

ولعل مصدر هذا السؤال كله ، هو قصص العفاريت 0

التى يحكونها للأطفال ، التى تزدحم بها مكتبات قصص الأطفال للأسف الشديد 00 بالإضافة إلى القصص التى يتوارثها العامة و أهل الريف ، و يتداولون حكاياتها ، وربما تشكل جزءاً هاماً من الفورلكلور الخاص بهم 00

 



 

          : الروح القدس يعمل فى غير المؤمنين لكى يؤمنوا 0

إذ كيف يمكن أن يؤمنوا ، إن لم يعمل الروح القدس فيهم ؟ ‍ و هوذا الكتاب يقول : لا يستطيع أحد أن يقول إن المسيح رب إ لا بالروح القدس ( 1كو 12 : 3 ) 0

و عمل الروح للإيمان

 ، غير سكناه الدائمة فى المؤمن 0

إن الروح القدس يمكن أن يعمل فى قلب إنسان غير مؤمن ليدعوه إلى الإيمان ، أو يجرى معه معجزة أو أعجوبة تكون سبباً فى إيمانه 0 و لكن بعد أن يؤمن ، لابد أن ينال الروح القدس بالمسحة المقدسة فى سر الميرون المقدس ، ليعمل الروح فيه على الدوام 0

ويمكن أن يعمل الروح فى غير المؤمنين لخير الكنيسة

كما قال الكتاب " نبه الرب روح كورش ملك فارس " ( عز 1 : 1 ) 0 و ذلك لبناء بيت الرب فى أورشليم 00 والحوادث من هذا النوع كثيرة فى الكتاب ، و فى التاريخ 00 


                          : لقد قبلوا السكنى الدائمة للروح القدس فيهم ، يوم الخمسين 0

 

وحينئذ تحقق وعد الرب لهم أن " يلبسوا قوة من الأعالى " ( لو 24 : 49 ) 0 وتحقق

قوله أيضاً " لإن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى 0 ولكن إن ذهبت ، أرسله إليكم "

( يو 16 : 7 ) 0 وواضح من هذا النص ، أنهم سيأخذون الروح القدس بعد صعود السيد إلى السماء 0 و هذا ما حدث فى يوم الخمسين ( أع 2 : 2 4 )

أما حينما نفخ الرب فيهم ، فقد أعطاهم سر الكهنوت 0

وفى هذا الكتاب " نفخ و قال لهم إقبلوا الروح القدس 0 من غفرتم خطاياه تغفر له 0 و من أمسكتم خطاياه أمسكت " ( يو 20 : 22 ، 23 ) 0 أى أنه أعطاهم بالروح القدس سلطان مغفرة الخطايا 0 أو أنه أعطاهم الروح الذى به يغفرون الخطايا ، فتكون المغفرة من الله 0 

ونفخة الروح هنا خاصة بهم ، و ليست لجميع المؤمنين 0

إنما هى تخص من المؤمنين من يعلمون عمل الكهنوت من تلاميذ الرسل  ومن خلفائهم 0 أما حلول الروح القدس الذى نالوه يوم الخمسين فهو للكل 0 و كان الرسل يعطونه للناس بوضع اليد ( أع 8 : 17 ) 0 ثم بالمسحة المقدسة ( 1يو 2 : 20 ، 27 ) 0 و هى التى نمارسها حالياً فى سر المسحة بالميرون المقدس ، لجميع المؤمنين 0

والرسل إذن أخذوا الكهنوت حينما نفخ الرب فيهم ، ومارسوا هذا الكهنوت يوم الخمسين بتعميد الناس 00

كان الرب يعلم أنهم يحتاجون إلى الكهنوت المقدس ، ليعمدوا الأعضاء الجدد فى الكنيسة ، و يمارسوا الحل و الرابط و باقى الأسرار ، لذلك منحهم الروح القدس الذى يعطيهم سلطان الكهنوت هنا ، قبل منحه لهم السكنى الدائمة للروح فيهم ، اللازمة لخدمتهم وحياتهم أيضا

 


 


 

             : الإنجيل كلمة يونانية معناها بشرى 0    

             وقد استعملها بولس الرسول بهذا المعنى ، دون أن يقصد كتاباً معينا 0 فقال فى بعض الأوقات " إنجيل خلاصكم " ( أف 1 : 3 ) أى بشرى خلاصكم  و قال " إنجيل السلام " ( أف 6 : 15 ) أى بشرى السلام أو البشارة بالسلام 0 و قال " إنجيل مجد المسيح " ( 2 كو 4 : 4 ) و " إنجيل مجد الله " ( 1تى 1 : 11 ) أى البشارة بهذا المجد

و لم تكن طبعاً أناجيل بهذه الأسماء و بغيرها 0

فعندها يقول بولس الرسول " إنى قد أؤتمنت على إنجيل الغرلة ، كما بطرس على إنجيل الختان " ( غل 2 : 7 ) 0 إنما بقصد أنه أؤتمن على حمل البشارة لأهل الغرلة أى الأمم ، كما اؤتمن بطرس على حمل البشارة إلى أهل الختان أى اليهود 00بشرى الخلاص و بشرى الفداء 0 دون أن يعنى طبعاً وجود كتاب إسمه إنجيل الغرلة ، و كتاب إسمة إنجيل الختان

و نفس المعنى يؤخذ فى كل تعبيرات الرسول 0

حينما يقول " قيوم الإنجيل " ( فل 13 ) 0 أنما يقصد السجن الذى يكابده بسبب مناداته بهذه البشارة 0 و عندما يقول " أمورى قد آلت أكثر إلى تقدم الإنجيل " ( فى 1 : 12 ) يقصد تقدم البشارة التى بشرتكم بها 00 و هكذا فى باقى النصوص ، لأنه لم تكن هناك أناجيل مكتوبة فى ذلك الزمان 0

و السيد المسيح نفسه أستخدم هذا التعبير 0

ففى أول كرازته ، حينما كان يوحنا المعمدان فى السجن ، كان المسيح " يكرز ببشارة الملكوت 0 و يقول قد كمل الزمان ، و اقترب ملكوت الله 0 فتوبوا وآمنوا بالإنجيل " ( مر1 : 14 ، 15 ) 0 أى إنجيل هذا الذى كان يقصده المسيح ؟ و لم تكن هناك أناجيل مكتوبة ، و لم يكن قد اختاره تلاميذ بعد ؟

إنما كان يقصد : آمنوا ببشارة الملكوت هذه 0 

هذه البشرى المفرحة بأن ملكوت الله قد اقترب  لقد جاءت المسيحية تبشر بالخلاص 00 بالخلاص من عقوبة الخطية و من سلطان الشيطان 0 الخلاص الأبدى بالفداء 0 و سميت هذه البشرى إنجيلاً  

ونفس الوضع فى كل استخدامات المسيح لكلمة ( إنجيل ) و هى كثيرة 0 و لعل من أمثلتها قوله لتلاميذه : إذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها ( مر16 : 15 )

و لم يكن هناك أى إنجيل مكتوب فى ذلك الوقت ، إنما قصد السيد المسيح إكرزوا ببشرى الخلاص هذه للخليقة كلها 0

نفس الكلام ينطبق على بولس الرسول فى قوله " الإنجيل الذى بشرت به " أى بشرى الخلاص التى بشرت بها 00 و بنفس المعنى قوله :

" صعدت أيضاً إلى أورشليم 00 و عرضت عليهم الإنجيل الذى أكرز به بين الأمم " ( غل 2 : 1 ، 2 ) 0

أى عرضت عليهم الكرازة التى أكرز بها  بين الأمم ، البشرى التى أبشربها الأمم ، إنه صار لهم الخلاص أيضاً 0

و هكذا حينما يقول فى رسالته إلى رومية : الله الذى أعبده بروحى فى إنجيل إبنه ، هو شاهد لى " ( رو 1 : 9 ) 0 يقصد فى بشارة إبنه 0 و ليس فى كتاب إسمه إنجيل إبنه أو إنجيل المسيح 000  


 



 


الجواب                       : المسيح إبن الله من جوهره و من نفس طبيعته الإلهية 0

           لذلك فإن له نفس لاهوته ، بكل صفاته الإلهية 000

وبهذا المفهوم استطاع أن يقول " من رآتى فقد رأى الآب " ( يو 14 : 9 ) 0 و كذلك قال " أنا و الآب واحد " ( يو 10 : 30 ) 0 فأمسك اليهود حجارة ليرجموه ، أنه بهذا يجعل نفسه إلهاً " ( يو 10 : 31 ، 33 ) 0 و هذه الحقيقة أكدها يوحنا الإنجيلى بقوله " و كان الكلمة الله " ( يو 1 : 1 )

والمسيح أبن الله منذ الأزل ، قبل الزمان 0 

إنه مولود من الآب قبل كل الدهور 0 و قد قال فى مناجاته للآب " مجدنى أنت أيها الآب عند ذاتك ، بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم " ( يو 17 : 5 ) 0 ولأنه قبل كون العالم ، لأنه عقل الله الناطق ، لذلك قيل " كل شئ به كان ، بغيره لم يكن شئ مما كان ( يو 1 : 3 )

أما نحن فبنوتنا الله نوع من التبنى و التشريف ، و مرتبطة بزمان 0 

قال القديس يوحنا الحبيب " انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله " ( 1 يو 3 : 1 ) 0 إذن دعينا هكذا كعمل من أعمال محبة الله لنا 0 و قيل أيضاً أما كل الذين قبلوه ، فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أى المؤمنون باسمه " ( يو 1 : 12 ) 0 إذن ليست هى بنوة طبيعية من جوهره ، و إلا صرنا آلهة !! كما أنها بنوة مرتبطة بزمن ، و لم تكن موجودة قبل إيماننا و معموديتنا  0

ولأن بنوة المسيح للآب بنوة طبيعية من جوهره 0 لذلك  قيل عنه إنه إبن الله الوحيد

أى الإبن الوحيد الذى من جوهره وطبيعته و لاهوته 00

و قيل فى ذلك " هكذا أحب الله العلم ، حتى بذل إبنه الوحيد 00 " ( يو 3 : 16 )  وتكرر هذا التعبير " إبن الله الوحيد " فى ( يو 3 : 18 ) 0 و قيل ايضاً " الله لم يره أحد قط الإبن

الوحيد الذى هو فى حضن أبيه ، هو خبر "  ( يو 1 : 18 ) 0 و قيل كذلك " بهذا أظهرت

محبة الله فينا ، أن الله قد أرسل إبنه الوحيد إلى العالم لكى نحيا به " ( 1يو 4 : 9 ) 0

و ما دام هو الإبن الوحيد ، إذن الوحيد ، إذن بنوته للآب غير بنوتنا نحن 0

لهذا كانت بنوته للآب تقابل منها بالإيمان و السجود 0

ففى قصة المولود أعمى لما قابله المسيح بعد أن طرده اليهود من المجمع ، قال له المسيح " أتؤمن بابن الله ؟ " أجاب ذاك و قال " من هو يا سيد لأؤمن به ؟ " 0 فلما عرفه بنفسه ، قال " أؤمن يا سيد " و سجد له ( يو 9 : 35 38 ) 0 فلوم كان إبناً لله كبنوة الجميع ، ما احتاج الأمر إلى إيمان و سجود 00 و نقول أكثر من هذا :

إن الإيمان بهذه البنوة ، كان هدف الإنجيل 0

يقول القديس يوحنا فى آخر الإنجيل تقريباً " و آيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذ لم تكتب فى هذا الكتاب 0 و أما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح إبن الله ، و لكى تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه " ( يو 20 : 30 ، 31 )

و لما اعترف بطرس بهذا الإيمان و قال له " أنت هو المسيح إبن الله " اعتبر الرب أن هذه هى الصخرة التى تبنى عليها الكنيسة ( متى 16 : 16 ، 18 ) 0

ولانفراد المسيح ببنوته الطبيعية للآب ، قيل إنه الإبن 0 وورد ذلك فى آيات تدل على لاهوته 00

مجرد عبارة " الإبن " و حدها ، تعنى المسيح 0 و لنأخذ أمثلة : " لأنه كما أن الآب يقيم الأموات و يحيى ، كذلك الإبن أيضاً يحيى من يشاء 00 لأن الأب لا يدين أحداً ، بل قد أعطى كل الدينونة للإبن 0 لكى يكرم الجميع الإبن كما يكرمون الآب " ( يو5 : 21 23 )

" إن حرركم الإبن ، فبالحقيقة تكونون أحراراً " ( يو 8 : 36 ) 0

" الذى يؤمن بالإبن له حياة أبدية 0 و الذى لا يؤمن بالإبن لن يرى حياة ، بل يمكث عليه غضب الله ( يو 3 : 36 ) "الصانع ملائكته أرواحاً ، و خدامه لهيب نار 0 أما عن الإبن

( فيقول ) كرسيك يا الله إلى دهر الدهور " ( عب 1 : 7 ، 8 ) 0 والأمثلة كثيرة ، و كلها تدور فى نفس المعنى 0

و هو كإبن ، تسجد لكل ملائكة الله 0

يقول الرسول عن عظمة المسيح " و متى أدخل البكر إلى العالم ، يقول : لتسجد له كل ملائكة الله " ( عب 1 : 6 )

و قيل عن المسيح إنه إبن الله فى مناسبات معجزية 0

قائد المائة و الذين معه حول الصليب ، لما رأوا الزلزلة وما كان " خافوا و قالوا حقاً كان هذا إبن الله " ( متى 27 : 54 ) 0

ونثنائيل ، لما قال له المسيح إنه رآه وهو تحت التينة ، آمن و قال " يا معلم أنت إبن الله ، أنت ملك إسرائيل " ( يو 1 : 49 ) 0

و الذين فى السفينة ، بعد أن رأوه ماشياً على الماء " جاءوا و سجدوا له قائلين : بالحقيقة أنت إبن الله " ( متى 14  : 33 )

و لما قال المسيح لمرثا قبل إقامته أخيها لعازر " أنا هو القيامة و الحياة 0 من آمن بى و لو مات فسيحيا 00 أجابته : نعم يا سيد أنا قد آمنت أنك أنت المسيح أبن الله الآتى إلى العالم " ( يو 11 : 27 ) 0

 وكانت هذه هى شهادة يوحنا المعمدان وقت العماد فى كل عجائبه " و أنا قد رأيت و شهدت أن هذا هو إبن الله ( يو 1 : 34 ) 0

من كل يتضح إنها ليست بنوة عادية 0 

ليست بنوة عامة يشترك فيها جميع المؤمنين 0

 



 





: لقد أعطى الله عقوبة لآدم " بعرق وجهك تأكل خبزاً " " ملعونة الأرض

                بسببك 0 بالتعب تأكل منها " ( تك 3 : 19 ، 17 ) 0 أما العقوبة التى  أعطاها لحواء فهى " تكثيراً أكثر أتعاب حبلك 0 بالوجع تلدين أولاداً " ( تك 3 : 16 ) 0 ثم جاء السيد المسيح و خلصنا بدمه 00 فلماذا بعد الخلاص ، ما تزال العقوبة قائمة : الرجل يتعب ليأكل خبزاً 0 و المرأة بالوجع تلد أولاداً ؟   

 

              : فى الواقع إن عقوبة الخطية كانت هى الموت 0 و قد جاء المسيح ليخلصنا

                            من الموت ، فمات عنا  0

 هذه هى الوصية أوصى التى أوصى الله بها أبانا آدم : ( 00 و أما شجرة معرفة الخير و الشر فلا تأكل منها 0 لأنك يوم تأكل منها ، موتاً تموت " ( تك 2 : 17 ) 0

هذا أيضاً ما فهمته حواء ، و ما ذكرته فى حديثها مع الحية : " و أما ثمر الشجرة التى فى وسط الجنة فقال الله : لا تأكلا منه و لا تمساه ، لئلا تموتا" ( تك 3 : 3 )

و هذا هو تعليم الكتاب 0 فقد قال الرسول :

" لأن أجرة الخطية هى موت " ( رو 6 : 23 ) 0

و عن هذا الموت قال أيضا : " و أنتم إذ كنتم أمواتاً بالذنوب و الخطايا " ( أف 2 : 1 ) 0 " و نحن أموات بالخطايا ، أحيانا مع المسيح " ( أف 2 : 5 ، كو 2 : 13 ) 0

و لأن أجرة الخطية هى الموت ، كان الفداء هو الطريق الوحيد إلى الخلاص ، إذ تموت نفس عوضاً عن نفس 0 و كان هذا هو جوهر فكرة الذبائح فى العهد القديم ، و جوهر صلب المسيح و موته عنا 0 و لهذا نقول إن المسيح حمل خطايانا على الصليب و مات عنها 0

أما التعب و أوجاع الحبل ، فعقوبات عرضية 0 

 ليست هى الأصل ، ليست هى العقوبة الأصلية ، أنما هى لمجرد تذكيرنا كل حين بأننا أخطأنا ، و حينئذ تكون للفداء قيمته فى أعيننا 0 و لهذا استبقى الله تلك العقوبات لعرضية لمجرد الذكرى النافعة 0 و البعض قد يعفى منها كالأطفال مثلاً ، و يذكرونها حينما ينصحون

 

 

 



          :لا وجه للمقارنة إطلاقاً بين آدم و السيد المسيح 0 و على الرغم من ذلك سنذكر

          النقط الآتية :

1-حقاً إن السيد المسيح قد ولد بطريقة معجزية لم يولد بها أحد من قبله و لا من بعده 0 أما آدم فلا علاقة له مطلقا بالولادة 0 إنه قد تراب الأرض 0 وطبعاً التراب مرحلة أقل 0 آدم مخلوق من التراب ، من أديما الأرض ، لذلك سمى آدم 0 أما السيد المسيح فمولود غير مخلوق

2-المسيح هو كلمة الله ( 1 يو 1 : 1 ) 0 أما آدم فهو مجرد عبد لله 0

3-السيد المسيح يتميز عن آدم بالقدسية والكمال 0 فقد أخطأ آدم ، وجر العالم كله معه إلى الخطية 0 أما السيد المسيح فهو الوحيد الذى لم يخطئ لذلك سمى قدوساً ( لو 1 : 35 ) 0 إنه الوحيد الذى تحدى جيله قائلاً " من منكم يبكتنى على خطية ؟ ! " ( يو 8 : 46 ) 0

4-آدم نتيجه لخطيئته طرد من الجنة 0 أما المسيح فجاء ليخلص آدم و بنيه ، و يعيدهم إلى الفردوس مرة أخرى 0 فهل يعقل أن الذى طرد من الفردوس ، يكون أعظم من الذى أعاده إليه ؟ !

5-آدم مات ، تحول إلى تراب بعد أن أكله الدود 0 و لا يعرف له أحد قبراً و لا مزاراً 0 أما السيد المسيح ، فإن جسده لم ير فساداً 0 و لم يقل أحد أن الدود قد أكل جسده ، بل إنه صعد إلى السماء و جلس عن يمين الأب 0

6-آدم لم يقم من الموت حتى الآن 0 و لا يزال ينتظر القيامة العامة 0 أما السيد المسيح فقد قام بمجد عظيم ، و هو سيأتى فى آخر الزمان للدينونة ، ليدين الأحياء و الأموات 0

7-لم نسمع عن آدم أنه كانت له رسالة فى هذا العالم 0 بل لا نعرف له تاريخاً سوى أنه خلق و أخطأ وطرد من الجنة و مات 0 و كان أحد بنيه هو أول قاتل فى العالم

أما السيد المسيح فقد كانت له  رسالة عظيمة هى الخلاص ، إذ حمل خطايا العالم كله  ومات فداء عنه 0 كما أنه صحح الأوضاع الخاطئة فى جيله ، و قام بهداية الناس فى جيله 0 و لم يعمل آدم شيئاً من هذا 0

8-كان السيد المسيح معلماً ، ترك أعظم التعاليم لجيله و لكل الأجيال 0 و قد بهت الناس من تعليمه ( لو 2 : 47 ) 0 أما أبونا آدم ، فلم يترك لنا أى تعليم ، و لا أية كلمة أو نصيحة ! 

9-السيد المسيح عمل معجزات لم يعملها أحد : منها إقامة الموتى ، و الخلق ، و معجزات شفاء عجيبة كشفاء المولود أعمى ( يو 9 ) 0 و لم نسمع عن أبينا آدم أنه صنع معجزة واحدة ! 00 فهل يمكن مقارنته بالسيد المسيح الذى قال عنه القديس يوحنا الحبيب إنه صنع معجزات أخرى لو كتبت واحدة فواحدة ، ما كان العالم يسع الكتب الموجودة ( يو 21 : 25 ) 0

10-و كانت للسيد المسيح صفات القيادة 0 و كانت الآلاف تتبعه 0 أما آدم فما قاد أحداً حتى إمرأته 0 بل على العكس قدته هذه المرأة ، حينما أعطته من الثمرة المحرمة فأكل مخالفاً للوصية ؟ 

11-كل هذا من الناحية البشرية 0 أما من الناحية اللاهوتية الخاصة بالسيد  المسيح ، فلا نستطيع أن نقارن إنساناً مخلوقاً بهذا الذى " كل شئ به كان ، بغيره لم يكن شئ مما كان " ( يو 1 : 3 ) 0 و هذه النقطة وحدها تحتاج إلى كتاب خاص فى لاهوت المسيح 0

12-حقاً أباناً آدم هو أبونا كلنا 0 و لكن هذا شئ ، وكونه أعظم من المسيح شئ آخر لا يقبله عقل 0 بل أن كثيراً من أبناء آدم كانوا أعظم منه ‍ مع توقيرنا لأبوته 00

 


               

   دبى الذى فيه فقد أبوانا الصورة الإلهية التى كانت لهما على شبه لله و مثاله ( تك 1 : 26 ، 27 ) 0 و إذا الله يخاطب آدم بعد الخطية فيقول له " أنك تراب إلى التراب تعود " ( تك 3 : 19 ) 0 و هكذا صار تراباً بعد أن كان صورة الله 0 و من ظاهر هذا الموت الأدبى طرده من الفردوس ( تك 3 : 23 ) 0

وفى هذا الموت الأدبى فقد نقاوته و براءته التى  كانت له قبل أن يأكل من الشجرة 0 صار عارفاً للشر 0 و عرف أنه عريان ( تك 3 : 11 )0

2- ومات أيضاً الموت الروحى ، الذى هو الإنفصال عن الله 0

و صار يخاف من الله ، و يختبئ منه 0 و يقف أمامه كمذنب و خاطئ 0 و الخطية هى وت ، كما قال الأب عن إبنه الضال " إبنى هذا كان ميتاً " ( لو 15 ) 0 و كما قال الرسول عن الأرملة المتنعمة أنها " ماتت و هى الحية " ( 1 تى 5 : 6 ) 0 و هكذا لما سقط آدم ، الخطية انطبقت عليه العبارة التى قيلت لملاك كنيسة ساردس فيما بعد " إن لك إسماً أنك حى ، و أنت ميت " ( رؤ 3 : 1 ) 0 إنه ليس ميتاً هذا الموت الجسدى ، إنما الموت روحى كما قيل عن الأرملة المتنعمة 0

3-ووقع آدم و حواء أيضاً تحت حكم الموت الأبدى

و لذلك منع أن يأكل من شجرة الحياة ( تك 3 : 22 ) 0  و لما مات ذهب إلى الجحيم 0 و انتظر هناك خلاص المسيح 0

4-أما الموت الجسدى ، فبدأ يعمل فيه 0 و صارت طبيعته مائتة0

صارت طبيعته مائتة من لحظة أكله من الشجرة 0 و كما نقول فى القداس الإلهى " الموت الذى دخل إلى العالم بحسد إبليس "  0

و لكن هذا الموت تأجل لأسباب و هى :

لو ما فى نفس الوقت ، لانقرض جنس الإنسان كله ، و ما كانت هناك بشرية ، و لا كنا نحن ولا كان صاحب هذا السؤال يسأل سؤاله بينما الرب كان قد بارك آدم و حواء و قال لهما " اثمروا و اكثروا واملأوا الأرض و أخضعوها " ( تك 1 : 28 ) 0

 وكان لا بد لبركة كثرة النسل أن تتم 0

ذلك لأن الله أمين فى مواعيده ، حتى لو كان الإنسان غير أمين 0 ثم إن إعطاء فرصة لمجئ هذا النسل ، سيعطى فرصة أنه من نسل آدم و حواء تأتى العذراء ، منها يولد المسيح ، الذى به يكون الخلاص ، و  به تتبارك جميع قبائل الأرض ( تك 3 : 15 ، 22 : 18 ) 0

 

 

 

فتأجيل الموت كان لاوماً لمجئ المسيح و إتمام الخلاص 0

ولكن هذا التأجيل لا يمنع أن حكم الموت قد نفذ تماماً ، و فى الوقت ، فى كل النقاط

التى سبق شرحها 

 

 

              : لقد خلصنا المسيح من الموت الروحى و الموت الأدبى 0

              فإن كان الموت الروحى هو الإنفصال عن الله ، فقد قال الرسول " صولحنا مع الآب بموت إبنه " ( رو 5 : 10 ) 0

 و من جهة الموت الأدبى ، خلصنا منه الرب ، بأن أعادنا إلى رتبتنا الأولى 0 أعاد إلينا الصورة الإلهية 0 و كما يقول الرسول عن المعمودية " لأنكم جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح ، قد لبستم المسيح " ( غل 3 : 27 ) 0

ورد إلينا اعتبارنا الأدبى بأن صرنا أبناء لله ( 1 يو 3 : 1 ) 0 و هياكل لروحه القدوس ( 1كو 6 : 19 ) 0

كذلك خلصنا من الموت الأبدى 0

وفى هذا قال الكتاب " هكذا أحب الله العالم ، حتى بذل إبنه الوحيد ، لكى لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية " ( يو 3 : 16 ) 0 و هكذا بموت المسيح عنا صارت لنا الحياة الأبدية 0 و خلصنا بموته من الموت الأبدى 0 و هذا هو الأساس فى الخلاص 0

أما الموت الجسدى ، فلم يعد موتاً بالحقيقة 0

و نعنى بالموت الجسدى ، إنفصال الروح عن الجسد 00 وهذا نقول عنه للرب فى أوشية الراقدين " لأنه ليس موت لعبيدك بل هو انتقال " 0 إنه انتقال إلى الفردوس و إلى عشرة المسيح 0 و لذلك اشتهاه بولس الرسول فقال " لى اشتهاء أن انطلق و اكون مع المسيح فذاك أفضل جداً " ( فى 1 : 23 ) 0

و كما سماه بولس انطلاقاً ، هكذا سماه سمعان الشيخ 0

فصلى قائلاً  " الآن يارب تطلق عبدك بسلام حسب قولك ، لأن عينى قد أبصرتا خلاصك "

( لو 2 : 29 ، 30 ) 0 و هذان القديسان بولس و سمعان الشيخ ، كل منهما اشتهى هذا ( الموت ) ، و كل منهما رآه انطلاقاً من سجن هذا الجسد ، و قال القديس بولس عنه إنه أفضل جداً من هذه الحياة 0

إذن لا يعتبر هذا الموت الجسدى عقوبة 0

إنه مجرد جسر ذهبى نصل به إلى الأبدية السعيدة 0 بل إن هذا الذى يسمى موتاً ، له فضل كبير علينا ، إذ بدونه سنبقى فى هذه الطبيعة الجسدية الفاسدة 0 و لكننا به سنؤهل إلى طبيعة أسمى

فهو الطريق إلى خلع الفساد و لبس عدم الفساد 0

إن الله المحب لا يريد لنا أن نبقى فى هذه الطبيعة التى فسدت بالخطية ، و لا يريد لنا أن نبقى فى هذه الطبيعة القابلة للإنحلال ، الطبيعة التى تجوع و تعطش و تتعب و تمرض و التى يمكن أن تخطئ لذلك يشاء بمحبته أن ينقلنا منها إلى حالة أفضل ، يقول عنها الرسول فى ( 1 كو 15 )     

كما لبسنا صورة الترابى سنلبس أيضاً صورة السماوى 0

و يشرح هذا الأمر بالتفصيل فيقول " لأن هذا الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد ، و هذا المائت يلبس عدم موت 00 " ( 1كو 15 : 49 ، 53 ) 0 

ويقول ايضاً " يزرع فى فساد ، و يقام فى عدم فساد 0 يزرع فى هوان ، و يقام فى مجد 0 يزرع فى ضعف ، و يقام فى قوة 0 يزرع جسماً حيوانياً ، و يقام جسماً روحانياً " ( 1كو 15 : 42 ، 44 ) 0

إذن الموت طريق طبيعى ، يوصلنا إلى أمجاد القيامة 0

بحيث لوبقينا فى هذه الطبيعة الحالية بدون موت لصارت خسارة كبيرة لنا 0 فليس صحيحاً إذن أن ننظر إلى الموت الجسدى كنتيجة للخلاص ، فما هى النتيجة المنتظرة لذلك  

هل تظنون أن البقاء فى هذا الجسد المادى الترابى هو الوضع المثالى للإنسان ؟ !

طبعاً بكل ما يحمل هذا البقاء من شيخوخة كلها ضعف و مرض يشكو منها صاحبها ، كما يشكو كل الذين حوله ، و كما قال الشاعر : 

المرء يأمل أن يعيش ، و طول عيش قد يضره

تفنى بشاشته و يبقى بعد حلو العيش مره

و تخونه الأيام حتى لا يرى  شيئاً يسره 0

لا شك أن الوضع المثالى للإنسان ، هو الجسد النورانى الروحانى ، الذى يقوم فى قوة و فى مجد ، و فى عدم فساد و هذا ما أراده لنا الله بالموت  0 

كان يمكن أن تكون لهذا السؤال خطورته ، لو لم تكن هناك قيامة بعد الموت ، بهذا المجد 0000

القيامة التى ستعتقنا من عبودية الفساد ، و التى من أجلها كل الخليقة تئن معاً و تتمخض منتظرة هذا العتق فداء أجسادنا ( رؤ 8 : 21 ، 22 )

 

 


 

 إنها حرب مشهورة من حروب الشيطان . و هذه الأفكار التي تحاربك ليست منك ، و إلا ما كنت تقاومها كما تقول . و لكن الشيطان عنيد لحوح ، لا ييأس و لا يهدأ . و كلما يرد الإنسان علي فكر من أفكاره ، يعود مرة أخري و يضغط و يلح . لذلك يقول القديس بطرس الرسول " قاوموه راسخين في الإيمان " ( 1 بط 5 : 9 ) . و مع ذلك فإن وجود الله له إثباتات كثيرة . لعل في مقدمتها ما يسميه الفلاسفة أو المفكرون بالعلة الأولي ، أي السبب الأول .

أي أن الله هو السبب الأول لوجود هذا الكون كله .

و بدون وجود الله ،لا نستطيع أن نفسر كيفية وجود الكون .

و هكذا نضع أمامنا عدة أمور لا يمكن أن يفسرها إلا وجود الله . و هي وجود الحياة ، و وجود المادة ، ووجود الإنسان ، ووجود النظام في كل مظاهر الطبيعة . يضاف إلي كل هذا الاعتقاد العام . و لنبدأ حالياً بنقطة أساسية و هي وجود الحياة .

وجود الحياة :

سؤالنا هو : كيف وجدت الحياة علي الأرض ؟

المعروف أنه مر وقت – كما يقول العلماء – كانت فيه الأرض جزءاً من المجموعة الشمسية ، في درجة من الحرارة الملتهبة التي لا يمكن أي تسمح بوجود أي نوع من الحياة ، لا إنسان و لا حيوان و لا نبات .

فمن أين أتت الحياة إذن ؟‍‍ من الذي أوجدها ؟ كيف ؟

هنا و يقف الملحدون و جميع العلماء صامتين حياري أمام وجود الحياة ز و لا أقصد حياة الكائنات الراقية كالإنسان ، بل حتي حياة نملة صغيرة ، أو دابة ، أو أية حشرة تدب علي الأرض ... مجرد وجود حياة واحدة من هذه الحشرات يثبت وجود الله .

بل مجرد خلية حية أياً كانت ، مجرد وجود البلازما ن يثبت وجود الله . لأنه لا تفسير له غير ذلك ...

إن الحياة حديثة علي الأرض ، ما دامت الأرض كانت من قبل قطعة ملتهبة لا تسمح بوجود حياة . فالحياة إذن بعد أن بردت القشرة الأرضية . أما باطن الأرض الملتهب ، الذي تخرج منه البراكين و النافورات الساخنة ، فلا يمكن أن توجد فيه حياة . إذن كيف وجدت الحياة علي الأرض بعد أن بردت قشرتها .

طبيعي أن المادة الجامدة ، التي لا حياة فيها ، لا يمكن أن توجد حياة . لأن فاقد الشئ لا يعطيه ...

و يبقي وجود الحياة لغزاً لا يجد له العلماء حلاً ‍

حله الوحيد هو قدرة الله الخالق الذي أوجد الحياة ... و إن كان هناك تفسير اَخر ، فليقدمه لنا الملحدون أو علماؤهم ... ذلك لأن الكائن الحي لا بد أن يأتي من كائن حي . و مهما قدم العلماء من افتراضات خيالية ، فإنها تبقي مجرد افتراضات لا ترقي إلي المستوي العلمي ز بعد الحياة ، نتكلم عن إثبات اَخر و هو وجود المادة .

وجود المادة :

و نعني به وجود هذه الطبيعة الجامدة و كل ما فيها من مادة ...

لا نستطيع أن نقول أن المادة قد أوجدت نفسها ‍

فالتعبير غير منطقي . إذ كيف توجد نفسها و هي غير موجودة ؟ كيف تكون لها القدرة علي الإيجاد قبل أن توجد ؟‍ إذن هذا الافتراض مستحيل . لا يبقي إذن إلا أن هناك من أوجدها . فمن هو سوي الله ؟

و لا يمكن أن نقول إنها وجدت بالصدفة كما يدعي البعض ...

فالصدفة لا توجد كائنات 0 وكلمة ( الصدفة ) كلمة غير علمية و غير منطقية 00 ويحتاج إلى تعريف 0 فما هى الصدفة إذن ؟ و ما هى قدرتها ؟ و هل الصدفة كيان له خواص ، منها الخلق ؟‍!

كذلك لا يمكن أن نقول إن المادة أزلية ! أو الطبيعة أزلية !

من المحال أن تكون المادة الأزلية . لأن الأزلية تدل علي القوة بينما المادة فيها ضعف .

فهي تتحول من حالة إلي حالة ، و تتغير من حالة إلي أخري . الماء يتحول إلي بخار ، و قد يتجمد و يتحول غلي ثلج . و الخشب قد يحترق و يتحول إلي فحم ، و قد يتحول إلي دخان و يتبدد في الجو . كما أن كثيراً من المواد مركبة . و المركب هو اتحاد عنصرين أو عناصر ، و يمكن أن ينحل و يعود إلي عناصره الأولي .

فالطبيعة إذن متغيرة ،و التغير لا يدل علي قوة . فلا يمكن أن تكون مصدراً لخلق مادة أخري .

كذلك فالطبيعة جامدة ،و بلا عقل و لا تفكير ،و بهذا لا يمكن أن تكون مصدراً للخلق .

 و هناك سؤال هام و هو : ما المقصود بكلمة الطبيعة ؟

أهي المادة الجامدة ؟ أهي الجبال و البحار و الأرض و الجو ؟ إن كانت هكذا ، فهي لا تستطيع أن تخلق إنساناً أو حيواناً . فغير الحي لا يخلق حياً ، و غير العاقل لا يخلق عاقلاً ... فهل طبيعة الإنسان هي التي كونته ؟! و هذا غير معقول . لأنه لم تكن له طبيعة قبل أنه يكون ، و قادرة علي تكوينه !! 

أم أن كلمه الطبيعة تدل علي قوة جبارة غير مفهومة ؟

إن كان الأمر كذلك ، فلتكن هذه القوة غير المدركة هي الله ،و قد سماها البعض الطبيعة . و يكون الأمر مجرد خلاف حول التسميات ، و ليس خلافاً في الجوهر ز إن كل الملحدين الذين قالوا إن الطبيعة قد أوجدت الكون ، لم يقدموا لنا معني واضحاً لهذه الطبيعة ! نقطة أخري نذكرها في إثبات وجود الله ، و هي الإنسان .

وجود الإنسان :

هذا الكائن العجيب ، الذي له عقل و روح و ضمير و مشيئة و لا يمكن أن توجده طبيعة بلا عقل و لا مشيئة و لا حياة و لا ضمير !! كيف إذن أمكن وجود هذا الكائن ، بكل ما له من تدبير و مشاعر ؟! الكائن صاحب المبادئ ، الذي يحب الحق و العدل ، و يسعي إلي القداسة و الكمال ؟ لا بد من وجود كائن اَخر أسمي منه ليوجده ... لا بد من وجود كائن كلي الحكمة ، كلي القدرة ، بمشيئة تقدر أن توجده ...و هذا ما نسميه الله ...

و بخاصة للتركيب العجيب المذهل الذي لهذا الإنسان .

يكفي أن نذكر بصمة اصابعه ، و بصمة صوته .

عشرات الملايين قد توجد في قطر واحد . و كل إنسان من هؤلاء تكون لأصابعه بصمة تميزه عن باقي الملايين . فمن ذا الذي يستطيع أن يرسم لكل اصبع خطوطاً تميز بصمته . و تتغير هذه الخطوط من واحد لآخر ، وسط آلاف الملايين في قارة واحدة مثل آسيا ، و أو مئات الملايين في قارة مثل افريقيا ؟! إنه عجيب !! لابد من كائن ذي قدرة غير محدودة ، استطاع أن يفعل هذا ...و ما نقوله عن بصمة الأصبع ، نقوله أيضاً عن بصمة الصوت . إنسان يكلمك في التليفون . فنقول له " أهلاً ، فلان " . تناديه بإسمه و أنت لا تراه ، مميزاً بصمة صوته عن باقي الأصوات ...

قدرة الله غير المحدودة تظهر في خلقه للإنسان من أعضاء عجيبة جداً في تركيبها و في وظيفتها ...

المخ مثلاً و ما فيه من مراكز البصر ، و الصوت و الحركة ، و الذاكرة و الفهم ... إلخ . بحيث لو تلف أحد هذه المراكز ، لفقد الإنسان قدرته علي وظيفة هذا المركز إلي الأبد ...! من في كل علماء العالم يستطيع أن يصنع مخاً ، أو مركزاً واحداً من مراكز المخ ؟! إنها قدرة الله وحده . و يعوزنا الوقت إن تحدثنا عن كل جهاز من أجهزة جسد الإنسان ، و عن تعاون كل هذه الأجهزة بعضها مع البعض الآخر في تناسق عجيب . و أيضاً عن العوامل النفسية المؤثرة في الجسد ز و عن النظام المذهل الموجود في تركيبة هذه الطبيعة البشرية . هنا و أحب أن أتعرض إلي نقطة أخري لإثبات وجود الله ، و هي النظام العجيب الموجود في الكون كله .

نظام الكون :

إنك إن رأيت كومة من الأحجار ملقاة في مكان ، ربما تقول إنها وجدت هناك بالصدفة . أما إن رأيت أحجاراً تصطف إلي جوار بعضها البعض ، و فوق بعضها البعض ، حتي تكون حجرات وصالات بينها أبواب و لها منافذ و شرفات ... فلا بد أن تقول : يقيناً هناك مهندس أو بناء وضع لها هذا النظام ...

هكذا الكون في نظامه ، لا بد من أن الله قد نظمه هكذا . حتي ان بعض الفلاسفة أطلقوا علي الله لقب ( المهندس الأعظم ) .

*و لنضرب المثل الأول بقوانين الفلك . و ذلك النظام العجيب الذي يربط بين الشموس  الكواكب ، و الذي تخضع له النجوم في حركتها و في اتجاهاتها ، مع العدد الضخم من المجرات و الشهب ... الأرض تدور حول نفسها مرة كل يوم ، ينتج عنها النهار و الليل . و مرة كل عام حول الشمس ، تنتج عنها الفصول الأربعة ز و هذا النظام ثابت لا يتغير منذ اَلاف السنين ، أو منذ خلقت هذه الأجرام السمائية و وضعت لها قوانين الفلك التي تضبطها ... لهذا كان علم الفلك يدرس في كليات اللاهوت ، لأنه يثبت وجود الله ، و بالمثل كان يدرس علم الطب ، لنفس الغرض . نفس قانون الفلك نلاحظه في العلاقة بين القمر و الأرض ، التي تنتج عنها أوجه القمر بطريقة منتظمة من محاق إلي هلال إلي تربيع إلي بدر .. لكل هذا ما أجمل قول المرتل في المزمور :

" السموات تحدث بمجد الله ، و الفلك يخبر بعمل يديه " ( مز 19 : 10 ) .

ليس النظام الذي وضعه الله في الكون قاصراً علي السماء و ما فيها ، إنما أيضاً ما يختص بالحرارة وضغط الهواء و الرياح و الأمطار . و كل هذا يحدث في كل بلد بطريقة منتظمة متناسقة ، مع ما يتبعه من أنظمة الزراعة و النباتات .

بل ما أعجب ما وضعه الله من نظام في طبيعة النحلة و إنتاجها .

إنها مجرد حشرة . و لكنها تعمل في نظام ثابت و مدهش ، و كأنها في جيش منتظم ، سواء الملكة أو العمال ، و تنتج شهداً له فوائد كثير جداً ، و بخاصة نوع غذاء الملكات ذي القيمة الغذائية الهائلة الذي يصنعونه فيما يعرف باسم Royal Jelly و يبيعونه في الصيدليات . و ما أجمل ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي عن مملكة النحل :

                    مملكة مدبرة                       بأمرأة مؤمرة

                    تحمـل في العمـل و الصنـاع عبء السيـطرة

                    أعـجـب لـعمـال يولون علـيهم قيـــصرة

هذه النحلة في نظامها تثبت وجود الله . و شهدها الذي تنتجه – في عمق فوائده – يثبت هو أيضاً وجود الله . إثبات اَخر لوجود الله هو المعجزات .

المعجزات :

و المعجزات ليست ضد العقل . و لكنها مستوي فوق العقل .

و لكنها سميت معجزات ، لأن العقل البشري عجز عن إدراكها أو تفسيرها . و ليس لها إلا تفسير واحد و هو قدرة الله غير المحدودة . هذه التي قال عنها الكتاب " ز كل شئ مستطاع عند الله " ( مر 10 : 27 ) . و كذلك قول أيوب الصديق " علمت أنك تستطيع كل شئ و لا يعسر عليك أمر " ( أي 42 : 2 ) .

و المعجزات ليست قاصرة علي ما ورد في الكتاب المقدس ، و إنما هي موجود في حياتنا العملية ، و بخاصة من بعض القديسين .

إن لم يكن شئ من هذا قد مر عليك في حياتك أو في حياة بعض أقاربك أو معارفك ، فاقرأ عنه في الكتب التي سجلت بعض هذه المعجزات في أيامنا ، أو في حياة قديسين قد سبقونا مثل الأنبا ابرام أسقف الفيوم ، أو أنبا صرابامون أبو طرحة ، أو ما يتكرر حدوثه كثيراً في أعياد القديسين . فهذه الذكري تثبت الإيمان في قلبك ...

نقطة أخري في إثبات وجود الله و هي الإعتقاد العام .

الاعتقاد العام :

الإعتقاد بوجود الله موجود عند جميع الشعوب ، حتي عند الوثنيين : يؤمنون بالألوهية ، و لكن يخطئون من هو الله ...

بل وصل بهم الأمر إلي الإيمان بوجود آلهة كثيرين – و بعضهم اَمن بوجود إله لكل صفة يعرفها من صفات الألوهية – و عرفوا ايضاً الصلاة التي يقدمونها لله ن و ما يقدمونه من ذبائح و قرابين ...

و الإيمان بالله مغروس حتى في نفوس الأطفال .

فإن حدثت الطفل عن الله ، لا يقول لك من هو .و إن قلت له " لا تفعل هذا الأمر ، لكي لا يغضب الله عليك " ، لا يجادلك في هذا ... إنه بفطرته  يؤمن بوجود الله ، و لا يهتز هذا الإيمان في قلبك أو في فكره ، إلا بشكوك تأتي إليه من الخارج : إما كمحاربات من الشيطان أو من أفكار الناس . و ذلك حينما يكبر و يدخل في سن الشك .

علي أن الإلحاد له أسباب كثيرة ليست كلها دينية .

ففي البلاد الشيوعية ، كان سبب الإلحاد هو التربية السياسية الخاطئة ، مع الضغط من جانب الحكومة ، و الخوف من جانب الشعب . فلما زال عامل الخوف بزوال الضغط السياسي دخل في الإيمان عشرات الملايين في روسيا و رومانيا و بولندا و غيرها ز أو أنهم أعلنوا إيمانهم الذي ما كانوا يصرحون به خوفاً من بطش حكوماتهم .

نوع من الإلحاد هو الإلحاد الماركسي . و قد وضعه بعض الكتاب بأنه كان رفضاً لله ، و ليس إنكاراً لوجود الله .

نتيجة لمشاكل إقتصادية ، و سبب الفقر الذي كان يرزح تحته كثيرون بينما يعيش الأغنياء في حياة الرفاهية و البذخ ، لذلك إعتقد هؤلاء الملحدون أن الله يعيش في برج عاجي لا يهتم بالآم الفقراء من الطبقة الكادحة !! فرفضوه و نادوا بأن الدين هو أفيون للشعوب يخدرهم حتي لا يشعروا بتعاسة حياتهم ...‍

نوع آخر من الإلحاد هو إلحاد الوجوديين الذين يريدون أن يتمتعوا بشهواتهم الخاطئة التي يمنعهم الله عنها .

و هكذا لسان حالهم يقول " من الخير أن يكون الله غير موجود ، لكي نوجد نحن "‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ أي لكي نشعر بوجودنا في حقيق شهواتنا .. و هكذا سخروا من الصلاة الربانية بقولهم " أبانا الذي في السموات " . نعم ليبقي هو في السموات ، و يترك لنا الأرض ...

إذن ليس هو اعتقاداً مبنياً علي أسس سليمة .

إنما هو سعي وراء شهوات يريدون تحقيقها ...

قصة :

أخيراً أحب أن أقول لك قصة أختم بها هذا الحديث .

إجتمع مؤمن و ملحد . فقال الملحد للمؤمن : ماذا يكون شعورك لو اكتشفت بعد الموت أنه لا يوجد فردوس و نار ، و ثواب و عقاب ، بينما قد أتعبت نفسك عبثاً في صوم و صلاة و ضبط نفس ‍‍‍

فأجاب المؤمن : أنا سوف لا أخسر شيئاً ، لأني أجد لذة في الحياة الروحية . و لكن ماذا يكون شعورك إن أكتشفت بعد الموت أنه يوجد ثواب و عقاب و فردوس و نار ..؟‍

أما أنت أيها الابن العزيز ، فلتثبت الرب إيمانك .

 



كلمة إنجيل معناها الخبر الطيب أو بشارة طيبة. وقد أوجز الإنجيل في يوحنا (16:3) بأن الله أرسل ابنه الوحيد لخلاص البشر. والنقطة الرئيسية في الإنجيل كما بشر به بولس هي: أن المسيح مات لأجل خطايانا وأنه قام من بين الأموات. 

الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد يؤلف وحدة لا تتجزأ ولا تنفصل. فالقديم أساس والجديد امتداد له وتكميل, ولو فصلنا أحدهما عن الآخر لما اكتملت خطة الله للبشر. ومن يؤمن بالكتاب المقدس يؤمن به بعهديه معاً على أساس أنه كلمة الله الموحى بها التي لم ولن تتبدل لأن الله هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد. 

تعاليم الكتاب المقدس متفقة فيما بينها تماماً ولا تناقض فيها, ولها اتجاه واحد هو إعلان مقاصده تعالى للبشر. وحين نقرأ العهد القديم نفهم كيف خلق الله السماء والأرض وكل شيء. كيف خلق آدم وحواء و أين وضعهما وكيف أخطأا, ثم كيف أصبح نسلهما خاطئاً مثلهما. وهنا يظهر وعد الله بخلاص الإنسان أي بإنقاذه من الورطة التي وقع فيها ومن نتائجها. وبانتظار مجيء المخلص أو المنجي أقام الله عهده مع إبراهيم مؤكداً له بأن المخلص سيأتي من ذريته. وتجدد الوعد لإسحق و يعقوب وتكلم عن هذا المخلص أنبياء العهد القديم عبر الأجيال كلها من موسى إلى داود إلى إشعياء ....الخ. و من يقرأ توراة موسى ونظام الذبائح والرموز يدرك قصد الله من حيث نعمته إلى ذلك المخلص. وهكذا فصل الله بين الوثنية واليهودية واختار شعباً يأتي منه المخلص لجميع الأمم. وفعلاً جاء المسيح من امرأة عذراء وكما تنبأ عنه الأنبياء في التوراة والزبور. وأول من آمن بالمسيح عندما بدأ يبشر بالخلاص رجال بسطاء سمّيوا بعد ذلك تلاميذ. ولما كانوا يرافقونه ويعملون بحسب تعليمه فقد أطلق عليهم اسمه ودعيوا مسيحيين. وهؤلاء التلاميذ حملوا بشارة الخلاص, حملوا رسالة الإنجيل إلى الأمم فيما بعد. فالمسألة إذن ليست مسألة انفصال بين العهد القديم والعهد الجديد, ولا بين يهودي ومسيحي. الله لا يتبدل ورسالته لم تتبدل. منذ القديم أعلن الله نفسه وكلم الناس بالأنبياء, وفي ملء الزمان كلمنا بالمسيح يسوع. وكل من يأتي إليه بالإيمان الأكيد بذبيحة الفداء هذه يصبح ابناً روحياً في عائلة عظيمة أعضاؤها من كل الشعوب والأمم، ومن كل لغة ولون وعرق. فالجميع إخوة في المسيح. 

 

كان الإنسان منذ خلقه يعرف الله . و لكن بعدما تفرقت الشعوب في الأرض ، بعد برج بابل و تبلبلت الألسنة ، بمضي الوقت نسوا الله ، أو بعدوا عنه ببعدهم عن التقليد السليم .

و لما كان الله غير منظور لهم ، بدأوا يتخيلونه في قوي أخرى منظورة .

إما في قوي هي مصدر الخير لهم ، مثل الشمس مصدر النور و الحرارة ، في علوها و جمالها و إشراقها ... أو مثل النهر ، الذي يعطيهم الماء مصدر الحياة أو الري للإنسان و الحيوان و النبات ... أو صاروا يعبدون ملوكهم ، مظهر القوة و العظمة و السيطرة و الإرادة أمامهم ، الذين كانوا يستطيعون أن يحكموا عليهم بالموت ، أو يبقوهم في الحياة ، أو يمنحوهم من خيرات الدولة و مناصبها . و صاروا أيضاً يعبدون كائنات يخافونها ، و يقدمون لها القرابين استرضاء لها حتى لا تؤذيهم ، مثل النار ، أو الحية ، أو بعض الوحوش ، أو الأرواح ، و ما إلي ذلك ...

v     v     v

 

و بعضهم كان يتخيل لكل معني هام إلهاً ...

فمثلاً هناك إله للجمال ، و إله للخصب ... و يعطون لكل من هذه الآلهة إسماً ، و يحيكون حوله أسطورة يتداولها الناس ،و تصبح جزءاً من عقيدتهم يسلمها جيل إلي جيل ...

و لكي يثبت الأمر في حسهم ، يتخيلون لهذا الإله صورة ، و ينحتون له تمثالاً .

ثم يقيمون له شعائر للعبادة ن تتفق مع الأسطورة الخاصة به . أما ما يختص بهذه الشعائر من مذابح و ذبائح ، و من صلاة و سجود ، و من بخور و تسبيح و ترتيل ، فكلها أمور تعلموها في جوهرها من فترة ما قبل التشتت و التفرق ، مما كان يقدم للإله الحقيقي وحده من عبادة قبل الطوفان و بعده ...

و هم في الواقع لم يعبدوا التماثيل كأحجار ، و إنما لأنها تمثل اَلهة ...

 و هذه الآلهة الوثنية ، ما كانوا فيها يعبدون الحيوان أو الإنسان كحيوان أو إنسان ، و لكي لأنه مثال للإله الذي في ذهنهم بما حوله من أساطير ...

v     v     v

 

و تمثال الإله الذي تقدم له العبادة يسمي وثناً .

فليس كل تمثال من تماثيل القدماء كان وثناً . إنما الوثن هو التمثال الذي كان يعبد . و بعض هذه الأوثان كانت ضخمة تقام في المعابد . بينما بعضها كان صغيراً يحتفظ به الناس في بيوتهم ، و يأخذونها معهم في أسفارهم . و الآلهة ( بوتو ) أي الحية كان يضعها الفراعنة في تيجانهم ن كجزء من التاج ...

v     v     v

 

و في تلك الأساطير تخيلوا آلهتهم ، و لهم قصص عائلية كما للبشر .

فمثلاً الإله أوزوريس تزوج الإلهة إيزيس ،و أنجب منها إبنهما الإله حورس . و تخيلوا أيضاً قصص صراعات و حروب تدور بين هذه الآلهة . و البعض منهم يموت ، ثم يوجد من ينتقم له . و هذه الآلهة يوجد منها إله خير و آخر شرير ...‍‍ لقد اسبغوا علي آلهتهم صوراً من الحياة البشرية التي يحيونها أو يرونها ...

و قصص الآلهة كانت تعبر أحياناً من بلد إلي آخر ، و تأخذ أسماء أخري .

و هذه الحركة في التاريخ يسمونها Cencretism  . فمثلاً قصة الإله أوزوريس تعبر من مصر إلي بلاد اليونان ، ليأخذ هذا الإله إسم ديونسيوس ، في قصة شبيهة . و هذا الأمر له قصص تكاد تتشابه بين اَلهة الهند و الصين و بلاد الشرق الأقصى ...

v     v     v

إننا نؤمن بإله واحد ن له كل صفات المثالية .

أما العالم الوثني فتصور لكل صفة إلهية إلهاً .

و هكذا عندهم تعدد الآلهة ، بحيث يمثل كل إله صفة من صفات الإلوهية ، أو عملاً من أعمالها .. و في التاريخ المصري القديم ن حاول اخناتون أن ينشر عقيدة التوحيد ، داخل نطاق عبادة الشمس ، و لكنه لم ينجح طويلاً ، و عاد الآلهة يسيطر علي معتقدات الناس .

و طبعاً هناك فرق كبير بين الوثنية و الإلحاد .

فالإلحاد معناه عدم الإيمان بوجود إله علي الإطلاق ، كما يقول الوحي الإلهي في سفر المزامير " قال الجاهل في قلبه ليس إله " ( مز 14 : 1 ) . أما الوثنيون فكانوا يؤمنون بفكرة الألوهية ز و يعبدون إلهاً ، أو عدداً من الآلهة ، أو أسرة إلهية ، أو عدداً من الآلهة لهم كبير . كما نقول إن زيوس هو كبير آلهة اليونان ، و جوبتر هو كبير آلهة الرومان ، و رع هو كبير آلهة المصريين ... 

v     v     v

و الوثنية كانت تنتشر بالخلطة و بالتزاوج .

و لذلك كان الله في العهد القديم يمنع الخلطة بالأمم و التزاوج معهم ، حتى لا يعبد الشعب آلهتهم . و لعل من أخطر الأمثلة في التاريخ لسوء الاختلاط بالأمميين ، هو تزوج سليمان الحكيم بزوجات مواَبيات و عمونيات و صيدونيات .. ( 1 مل 11 : 1 ، 2 ) . و هكذا " بني سليمان مرتفعة لكموش رجس المواَبيين علي الجبل الذي تجاه أورشليم ، و لمولك رجس بني عمون . و هكذا فعل لجميع نسائه الغريبات اللواتي كن يوقدن و يذبحن لآلهتهن " ( 1 مل 11 : 7 ، 8 ) .

لكل ذلك أرسل الله الأنبياء ، ليثبتوا الشعب في عبادة الإله الحقيقي . 

و زود هؤلاء الأنبياء بالوحي ، و بالمعجزات . و كان سفر الشريعة يقرأ علي الناس في المجامع كل سبت . كما كانت الأعياد و المراسم و الذبائح تذكرهم ايضاً بعبادة الرب حتى لا يضلوا ...

v     v     v

و مع كل ذلك نسمع عن وجود وثنية في أيام الآباء و الأنبياء .

و مع كل ذلك نسمع أن راحيل زوجة أبي الآباء يعقوب، و ابنة أخي رفقة التي تزوجها أبونا اسحق بن ابراهيم ، علي الرغم من أنها من أسرة متدينة ن قيل عنها في مفارقتها لأبيها لابان " فسرقت راحيل أصنام أبيها " ( تك 31 : 19 ) .. و لما زحف لابان وراءهم ، كان مما قاله ليعقوب " لماذا سرقت آلهتي ؟!" ( تك 31 : 30 ) . و نسمع أن بني إسرائيل لما تأخر عليهم موسي النبي علي الجبل مع الله ن اجتمعوا علي هرون و قالوا له " قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا " ( خر 32 ك 1 ) .

و نزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم ، و صنعوا عجلاً مسبوكاً ، و بنوا له مذبحاً ، و أصعدوا محرقات و ذبائح سلامة . و قالوا " هذه اَلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر " . ( خر 32 : 3 – 6 ) ... فماذا تقول في ذلك ، بعد كل المعجزات التي حدثت أمامهم و فعلها الرب علي يد موسي النبي .

أهو جهل ؟ أم تأثير الأمم الوثنية ؟ أم حروب الشيطان و ضلالاته ؟ أم كل ذلك معاً ؟..

v    v     v

و لا ننسي أن الروح القدس لم يكن يعمل في قلوب الناس كما في أيامنا .. كذلك لا ننسي أيضاً في تاريخ الوثنية أمراً آخر يضاف إلي أساطيرها المتوارثة هو :

تأثير الفلسفة الوثنية و أفكارها علي الناس .

و هؤلاء الفلاسفة كان تأثيرهم علي العالم الوثني ، لا يقل عن تأثير الأنبياء علي شعب الله . و كانوا هم الذين يشكلون عقائد الشعب . يضاف إلي هذا تأثير كهنة الوثنية و معلميها ، و تأثير الأسرة علي أبنائها .

و أمر له خطورته في تاريخ الوثنية ، هو سلطة الملوك الوثنيين .

و صدق ما قيل في المثل الشائع عن تلك العصور " الناس علي دين ملوكهم " . و قد شرحنا مثلاً كيف أن اخناتون نشر ديانة جديدة استمرت في أيامه . و سجل الكتاب كيف كان داريوس ملك فارس يصدر أوامره في ما يعبده الشعب ، حتى أن دانيال لما لم يشترك في تلك العبادة ألقي في جب الأسود (دا6)  . و تاريخ الإستشهاد معروف كيف أن ديوقلديانوس مثلاً كان يقتل المسيحيين في وحشية إذا لم يعبدوا آلهته . و من قبله نيرون في عصر الرسل و خلفائه طوال حوالي ثلاثة قرون ...

 


لو كان سبب انتشار المسيحية بسرعة في مصر ، هو التشابه بين عقائدها والعقائد المصرية الفرعونية ....

فما سبب انتشار المسيحية في باقي بلاد العالم ؟ هل هو تشابه أيضاً في العقائد ؟! وإن كان هناك تشابه ، فلماذا اضطهدت الوثنية المسيحية ؟

ولماذا قتل الوثنيون القديس مارمرقس الرسول كاروز الديار المصرية ؟! و لماذا حدث صراع عنيف بين الوثنية و المسيحية علي مدي أربعة قرون ، أنتهي بانقراض الوثنية ، فتركها عابدوها ، و تحطمت الأوثان ..! لا شك أن المسيحية كشفت ما في الوثنية من زيف و خطأ ، و ليس ما بينها من تشابه ! و إلا فما الداعي لدين جديد يحل محل الوثنية ؟و من جهة عقيدة الثالوث ، فالواضح أن الوثنية لا تؤمن بها .

الوثنية تؤمن بتعدد الآلهة في نطاق واسع ، و ليس بثالوث .

فمصر الفرعونية  كانت تؤمن بالإله ( رع ) ، الذي خلق الإله ( شو ) و الإلهة ( نفتوت ) . و باقترانهما أنجبا الإله جب ( إله الأرض ) ، و الإلهة نوت ( إلهة السماء ) ، الذين تزوجا و أنجبا أوزوريس ، و إيزيس ، و ست ، و نفتيس ، و بزواج أوزوريس و إيزيس أنجبا الإله حورس... إلي جوار آلهة اَخري كثيرة كان يعبدها المصريون ... فأين عقيدة (الثالوث) في كل هذه الجمهرة من الآلهة ؟!

هل يمكن إنتقاء أية ثلاثة آلهة و تسميتهم ثالوثاً ؟!

و في مثال قصة أوزوريس و إيزيس ، ذكرنا عشرة آلهة مصرية ، لو أردنا أن نأخذ هذه القصة كمثال .. كما أن في قصة تخليص إيزيس لزوجها المقتول أوزوريس ، و إعادته إلي الحياة ، ساعدها تحوت إله الحكمة ، و أنوبيس إله التحنيط ،و أيضاً ساعدتها أختها نفتيس .. فليست القصة ( ثالوثاً ) . و ليست في عقائد المصريين القدماء عقيدة تسمي التثليث علي الإطلاق .. و مع كل ذلك نقول :

إن المسيحية لا تؤمن بتثليث فقط ، إنما بتثليث و توحيد .

و هذا التوحيد لا توافق عليه العبادات المصرية التي تنادي بالتعدد .

ففي قانون الإيمان المسيحي نقول في أوله " بالحقيقة نؤمن بإله واحد " . و حينما نقول باسم الآب و الابن و الروح القدس ، نقول بعدها " إله واحد . اَمين " .و في الرسالة الأولي للقديس يوحنا الإنجيلي يقول " الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة : الآب و الكلمة و الروح القدس . و هؤلاء الثلاثة هم واحد " ( 1 يو 5 : 7 ) .

و وردت عبارة " الله واحد " في مواضع كثيرة من الكتاب المقدس .

وردت في ( غلاطية 3 : 20 ) ،و في يعقوب (2 : 19 ) ، و في ( أفسس 4 : 5 ). و في (1 تي 2 : 5 ) . و أيضاً في ( يو 5 : 44 ) ، ( رومية 3 : 30 ) ، ( مت 19 : 17 ) ، ( مر 12 : 29 ،30 ). كما أنها كانت تمثل الوصية الأولي من الوصايا العشر ( خر 20 : 3 ) . و ما أوضح النص الذي يقول " الرب إلهنا رب واحد " ( تث 6 : 4 ). و عبارة الإله الواحد ترددت مرات عديدة في سفر أشعياء النبي علي لسان الله نفسه ، كما في ( أش 43 : 10 ، 11 ) ، ( أش 45 : 6 ، 18 ، 21 ) ، ( أش 46 : 9 ) .

و المسيحية تنادي بأن الأقانيم الثلاثة إله واحد .

كما وردت في ( 1 يو 5 : 7 ) . و كما وردت في قول السيد المسيح " و عمدوهم باسم الآب و الابن و الروح القدس " ( مت 28 : 19 ) ، حيث قال باسم ، و لم يقل بأسماء و لعل سائلاً يسأل كيف أن 1+1+1 + فنقول 1Ð1Ð1 =1 .

الثالوث يمثل الله الواحد ، بعقله و بروحه ، كما نقول إن الإنسان بذاته ، و بعقله و بروحه كائن واحد ، و إن النار بنورها وحرارتها كيان واحد ...

و لكن أوزوريس و حورس ليسوا إلهاً واحداً بل ثلاثة .

و هذا هو أول خلاف بين هذه القصة و الثالوث المسيحي .

و الخلاف الثاني إنها تمثل قصة زواج إله رجل ( هو أوزوريس ) ، و إلهة إمرأة ( هي إيزيس ) أنجبا إلهاً ( هو حورس ) .

و ليس في الثالوث المسيحي إمرأة ، و لا زواج ، حاشا ..!

و لو كل أب و أم و إبن يكونون ثالوثاً .. لكان هذا الأمر في كل مكان ، و في كل بلد ، و في كل أسرة . و لكنه في كل ذلك لا علاقة له بالثالوث المسيحي .

فالإبن في المسيحية ليس نتيجة تناسل جسداني .

حاشا أن تنادي المسيحية بهذا ، فالله روح ( يو 4 : 24 ) . و هو منزه عن التناسل الجسدي . و الابن في المسيحية هو عقل الله الناطق ، أو نطق الله العاقل ز و بنوة الابن من الآب في الثالوث المسيحي ، مثلما نقول " العقل يلد فكراً " و مع ذلك فالعقل و فكره كيان واحد . و لا علاقة لهما بالتناسل الجسداني ...الفكر يخرج من العقل ، و يظل فيه ، غير منفصل عنه . أما في التناسل الجسداني ، فالإبن له كيان مستقل قائم بذاته منفصل عن أبيه و أمه . و كل من الأب و الأم له كيان قائم بذاته منفصل عن الآخر . و هنا نجد خلافاً مع الثالوث المسيحي .

فالأقانيم المسيحية ،لا انفصال فيها لأقنوم عن الآخر .

الإبن يقول " أنا في الآب ، و الآب في " ( يو 14 : 11 ) ، "أنا و الآب واحد " (يو 10 : 30) . و لا يمكن أن حورس يقول أنا و أوزوريس كائن واحد ‍‍‍‍‍! أنا فيه وهو في ...

كذلك الأقانيم المسيحية متساوية في الأزلية . لا تختلف في الزمن .

الله بعقله و بروحه منذ الأزل. أما في قصة أوزوريس و إيزيس ، فحدث أن ابنهما حورس لم يكن موجوداً قبل ولادته ، و هو أقل منهما في الزمن . كذلك قد يوجد اختلاف في العمر بين أوزوريس و ايزيس . و هما الإثنان لم يكونا موجودين قبل ولادتهما من جب و نوت ..

أما الله في الثالوث المسيحي فهو كائن منذ الأزل ، و عقله فيه منذ الأزل ، و روحه فيه منذ الأزل . لم يمر وقت كان فيه أحد هذه الأقانيم غير موجود . لكل السباب السابقة لا يمكن أن نري لوناً من التشابه بين الثالوث المسيحي ، و ما في الوثنية من تعدد الآلهة ،و اختلاف في الجنس بين الآلهة ، هذا ذكر و تلك أنثي ، و ايضاً ما في الوثنية من تزاوج بين الآلهة ، و إنجاب ...

 


 

إن كانت هذه الآية لم توجد في بعض النسخ ، فلعل هذا يرجع إلي خطأ من الناسخ ، بسبب وجود اَيتين متتاليتين ( 1 يو 5 : 7 ، 8 ) متشابهتين تقريباً في البداية و النهاية هكذا :

الذي يشهدون في السماء ... و هؤلاء الثلاثة هم واحد .

و الذين يشهدون علي الأرض ... و الثلاثة هم في الواحد .

و مع ذلك هذه الآية موجودة في كل النسخ الآخري ، و في النسخ الأثرية .

هذه نقطة . و النقطة الأخري هي أن العقيدة المسيحية لا تعتمد علي اَية واحدة . إذ توجد عقيدة التثليث في العهد الجديد . و من الآيات الواضحة قول السيد الرب لتلاميذه عن هم في التبشير :" و عمدوهم باسم الآب و الابن و الروح القدس " ( مت 28 : 19 ) .

و هنا يقول " باسم " و لم يقل ( باسماء ) مما يدل علي أن الثلاثة هم واحد ، و هذا يشابه نفس معني الآية ( 1 يو 5 : 7 ) . و يقول الكتاب أيضاً " نعمة ربنا يسوع المسيح و محبة الله و شركة الروح القدس مع جميعكم " ( 2 كو 13 : 4 ) . و هنا أيضاً يذكر الأقانيم الثلاثة معاً . و عن الوحدة بين الأقانيم ، يقول السيد المسيح :

" أنا و الآب واحد " ( يو 10 : 30 ) .

أي واحد في الجوهر ، و في الطبيعة ...و من جهة الروح القدس ،هو روح الله نفسه ، و طبيعي أن الله و روحه كيان واحد . فلا يمكن ان ينفصل الله عن روحه ، أو أن يكون الله غير روحه . هما إذن واحد . و في ( أع 5 : 3 ، 4 ) في توبيخ القديس بطرس لحنانيا يقول له " لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب علي الروح القدس ... أنت لم تكذب علي الناس بل علي الله " . فهو يقول إن الكذب علي الروح القدس هو الكذب علي الله . لأن الله و روحه لاهوت واحد . و ما أكثر الآيات التي يمكن ان نوردها في هذا المجال . و لكننا نجيب هنا في اختصار للتوضيح و لا داعي لأن يقول البعض إن إحدى النسخ سقطت منها آية ، لأن نسخ الكتاب كانت بالآلاف و بعشرات الآلاف في العصور الأولي ، و قبل اختراع الطباعة ...

إنها طريقة تشكيك ، لا تتفق مع روح الكتاب .

و العقيدة المسيحية الراسخة منذ العصر الرسولي ، ما كانت تخفي عليها آيات الكتاب المقدس ، بل هي مؤسسة علي آيات الكتاب .

 


 

المقصود بعبارة ( لم يره أحد قط ) اللاهوت . لآن اللاهوت لا يري . و الله – من حيث لاهوته – لا يمكن رؤيته بعيوننا المادية التي لا تري سوي الماديات ، و الله روح ...لذلك فإن الله ، عندما أردنا أن نراه ، ظهر في هيئة مرئية ، في صورة إنسان ، في هيئة ملاك . وأخيراًَ ظهر في الجسد ، فرأيناه في إبنه يسوع المسيح ، الذي قال " من راَني فقد رأي الآب " .

و لهذا فإن يوحنا الإنجيلي ، بعد أن قال " الله لم يره أحد قط " استطرد بعدها " الإبن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر " ( أي قد خبراً عن الله ) .

كل الذين يصورون الآب في شكل مرئي ، إنما يخطئون ،و ترد عليهم هذه الآية بالذات .. كالذين يصورون الآب في ايقونة للعماد ، يقول " هذا هو إبني الحبيب الذي به سررت " بينما الآب لم يره أحد قط .

طالما نحن في هذا الجسد المادي ، فإن ضبابه يمنع رؤية الله ، إننا " ننظر كما في مراَه " كما يقول بولس الرسول " أما في الأبدية ، عندما نخلع الجسد المادي ، و نلبس جسداً روحانياً نورانياً ، يري ما لم تره عين " فحينئذ سنري الله .



 

اللاهوت لا يمكن أن يراه أحد ، لأنه لا يدرك بالحواس . و لذلك عندما أراد الله أم نراه ، رأيناه في صورة إبنه متجسداً ، كما قيل " عظيم هو سر التقوي : الله ظهر في الجسد " ( 1 تي 3 : 16 ) .

في العهد القديم كانوا يرون الله في ظهورات . إما علي هيئة ملاك كما ظهر لموسي النبي في العليقة ( خر3 : 2 – 6 ) . و إما علي هيئة أحد الرجال كما ظهر لأبينا ابراهيم عند بلوطة ممرا ( تك 18 : 2 ، 16 ، 17 ) . أما بالنسبة إلي أبينا يعقوب فقد ظهر له في هيئة إنسان صارعه حتي طلوع الفجر ( تك 32 : 24 ) . و قد عرف أنه الله ، لأنه لما باركه قال له " لأنك جاهدت مع الله و الناس و غلبت " ( تك 32 : 28 ) .

 

 


 

كل ما يحدث حولك أو لك من الخير هو من الله .

روح الله القدوس يحرك الناس إلي الخير ، يرشدهم إلي حياة البر . يضعهم في طريقك لفائدتك . و يقول الكتاب " كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله " ( رو 8 : 28 ) . و لكن ماذا عن الشر الذي يحدث لك ، أو يحدث من حولك ؟

هل نجرؤ و نقول إن الله قد حرك الناس لفعله ؟‍! حاشا ...

إذن الشر الذي يحدث لك ، ليس هو من الله . لأن الله لا يحرك الناس لفعل الشر ...

إنه - تبارك - إسمه – قد منح الناس حرية إرادة . و قد تنحرف حرية إرادتهم نحو الشر . ليس لأن الله يحركهم إليه ، و إنما لأن الشر الذي في قلوبهم هو السبب في ما يرتكبونه من أخطاء نحوك أو نحو غيرك .

و الله لا يريدهم أن يخطئوا . و لكنه يسمح أن يحدث هذا ، و يعاقب عليه .

فهو لا يشاء الشر ، و لا يحرك الناس إليه ، و لكنه في نفس الوقت لا يسير الناس نحو الخير ،و لا يرغمهم عليه . بل يحثهم عليه ، و لكنه يترك لحرية إرادتهم أن تشترك مع المشيئة الإلهية .و إن رفضت ذلك ، لا يرغمها . إلا في حالات الإنقاذ التي تتدخل فيها إرادة الله لمنع شر عن احبائه ...

فلا تبالغ ، و لا تقل إن كل شئ يحدث لي هو من الله .

بل قل : و أما الشر فهو من الشيطان أو من الناس الأشرار

و مع ذلك ، فالله قادر أن يحول الشر إلي خير .

كما حدث في قصة يوسف الصديق مع إخوته . " الشر الذي فعلوه به ن كان منهم هم ، من حسدهم و غيرتهم و قساوة قلوبهم . و لكن الله حول الشر إلي خير . و لذلك قال يوسف لأخوته " أنتم أردتم لي شراً . أما الله فأراد به خيراً " ( تك 50 : 20 ) . الله لم يحرك إخوة يوسف نحو الشر . ولكنه حول شرهم إلي خير . و بنفس الأسلوب نقول إن الله لم يحرك يهوذا إلي خيانة معلمه . و لكنه حول نتيجة هذه الخيانة إلي الخير .

 


 

ليس هناك خلاف إطلاقاً بين عدل الله و رحمته ، لأنه لا يمكن أن يوجد تناقض بين صفات الله تبارك إسمه . فالله رحيم في عدله ، و عادل في رحمته .

عدل الله مملوء رحمة . و رحمة الله مملوءة عدلاً . و يمكن أن نقول إن عدل الله عدل رحيم ، و رحمته رحمة عادلة . و نحن لا نفصل إطلاقاً بين عدل الله و رحمته .

و حينما نتكلم مرة عن العدل ، و أخري عن الرحمة . فلسنا عن الفصل نتكلم ،و إنما عن التفاصيل

أما عن ميمر العبد المملوك الذي يتخل نقاشاً و جدلاً بين عدل الله و رحمته ، فهو ليس دقيقاً من الناحية اللاهوتية ، و عليه مؤاخذات كثيرة . فلم يحدث طبعاً مثل هذا النقاش ، إنما مؤلف هذا الميمر أراد أن يشرح تفاصيل الموضوع بأسلوب الحوار . و هو أسلوب ربما يكون أديباً مشوقاً . و لكنه ليس أسلوباً لاهوتياً دقيقاً .

أما علي الصليب ، فكما قال المزمور العدل و الرحمة تلاقيا أو الرحمة و الحق تلاقيا . ( و ليسا تصالحا !! ) .

إن كلمة مصالحة ، تعني ضمناً وجود خصومة سابقة . و حاشا أن يوجد هذا في صفات الله ! و حتي عبارة التلاقي ، تعني هذا التلاقي أمامنا نحن ، في مفهومنا نحن . أما من الناحية اللاهوتية ، فهناك التلاقي بين العدل و الرحمة منذ الأزل . و كما قلنا عن الله أن عدله مملوء رحمة ، و رحمته مملوءة عدلاً .

و علي الصليب رأينا نحن هذا التلاقي بين العدل و الرحمة . و هو تلاق دائم . و لكننا نحن كبشر ، رأيناه علي الصليب ... رأينا هذه الصورة الجميلة ، التي أعطت لعقولنا البشرية مفهوماً عن تلاقي العدل و الرحمة .


 

الله موجود في كل مكان ، و لا يخلو منه مكان . الشمس تشرق بأشعتها حتى في الأماكن التي توجد بها قاذورات . و لكنها لا تتأذى بتلك القاذورات ،كذلك الله . و مع ذلك فالجحيم مجرد مكان انتظار . و السيد المسيح نزل إلي هناك ، لكي يبشر الراقدين علي رجاء ، و ينقلهم إلي الفردوس .لاحظ في قصة الثلاثة فتية في أتون ، أنه كان معهم رابع قيل إنه شبيه بابن الآلهة (دا3 : 25 ) . و لم يتأذ بالنار ، و لم يسمح للنار أن تؤذي الثلاثة فتية . الوجود في أي مكان ، ليس هو مشكلة ، إنما المشكلة هي التأذي من مكان . و الله فوق التأذي ، لا يتفق ذلك مع طبيعته . و لو كان الله لا يوجد في مكان ما !! لكان ذلك ضد صفة عدم المحدودية التي يتصف بها !! و لكان ذلك سبباً للطعن في معرفته بما يدور في ذلك المكان ... حاشا أن نفكر في شئ من هذا 



 

طبعاً إن الله لا يمكن أن يخشي أن يكون هذا المخلوق الترابي نداً له . فإلله غير محدود في كل كمالاته . فلماذا منع الإنسان عن شجرة الحياة ؟

لقد منعه عن شجرة الحياة ، لأن الحياة لا تتفق مع حالة الخطية التي كان فيها الإنسان .

الخطية هي موت روحي ، و جزاؤها هو الموت الأبدي . يجب التخلص أولاً من حالة الخطية ، و من عقوبة الخطية ، حتى يحيا الإنسان الحياة الحقيقية إلي الأبد . بدليل أن الله و عد الغالبين في الجهاد الروحي بأن يأكلوا من شجرة الحياة . بدليل أنه قال في سفر الرؤيا :

" من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في فردوس الله " ( رؤ 2 : 7 ) . و ما أكثر الوعود الأبدية التي في الكتاب المقدس ... و لكنها وعود للتائبين و للمنتصرين في حياتهم الروحية ، و ليس للناس وهم في حالة الخطية كما كان أبونا آدم وقتذاك . و كأن الله يقول لآدم :

مادمت في حالة الخطية ، فأنت في هذه الحالة ممنوع عن الحياة . لأن " أجرة الخطية هي موت " ( رو 6 : 23 ) . أنت لا تستحق الحياة في هذا الوضع ، و ليس من صالحك أن تستمر حياً في هذا الوضع ... إنما انتظر التوبة و الفداء . و بعد ذلك ستحيا إلي الأبد . إنه منع الحياة عن المحكوم عليه بالموت . و عدم ربط الحياة الأبدية بالخطية .

 


 

ليس معني السؤال : أن من يسأل يجهل ما يسأل عنه !! فعلم ( البيان ) يشرح كيف أن السؤال يخرج عن معناه الأصلي إلي معان أخري .

و الأمثلة علي ذلك كثيرة جداً منها قول الشاعر :

               و أبي كسري علا إيوانه                 أين في الناس أب مثل أبي

فهو هنا لا يسأل " أين " ؟ . و إنما المقصود بالسؤال  الافتخار ، و أنه لا يمكن أن يوجد مثل أبيه في العلو ... و كذلك سؤال آخر يقصد به الشاعر التحقير ، بقوله :

ودع الوعيد فما وعيدك ضائري                أطنين أجنحة الذباب يضير ؟!

فهو لا يقصد أن يسأل : هل طنين أجنحة الذباب يسبب ضرراً أم لا ! فالإجابة معروفة . إنما يقصد تشبيه تهديد عدو له بطنين أجنحة الذباب الذي لا يمكن أن يضر . و في علم البيان يقال إن هذا سؤال خرج عن معناه الأصلي إلي الإستهزاء أو التهكم أو التحقير .  و ليس المقصود به معرفة الجواب . و كذلك يخرج عن معني السؤال للمعرفة البيت التالي :

أنت في الأصل تراب تافه               هل سينسي أصله من قال إني

فكل إنسان لا ينسي أنه مخلوق من تراب ، و لا يمكن أن ينسي ذلك . إنما السؤال " هل سينسي " مقصود به الإستحالة ، استحالة النسيان ، فهو تعبير بياني .

و بنفس الوضع سأل الله تبارك اسمه قايين بعد قتله لأخيه هابيل ، قائلاً " أين هابيل أخوك " ( تك 4 :9 ) .

سأله و هو يعرف أين هو ..بدليل أنه قال لما أنكر " صوت دم أخيك صارخ إلي من الأرض . فالآن ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك " ( تك 4 : 10 ، 11 ) .

إنما سأله ليوقفه أمام جريمته التي ارتكبها ، ليتذكر ماذا فعل ، ليعترف بالجرم ..

و بنفس الوضع سأل أبانا آدم " أين أنت ؟ هل أكلت ؟" .

 لكي يشعره بما فعله من ذنب ، و بأنه خاف و اختبأ بعد عصيانه لله و أكله من الثمرة المحرمة ... و لا يمكن أن يكون سبب السؤال هو عدم المعرفة ‍ حاشا ... السؤال قصده فتح الحديث مع آدم ،لكي يعترف بما فعل . و لكي يشعر بأن الله لن يترك عصيان آدم بلا محاسبة و بلا محاكمة .

و بنفس الوضع سأل الرب أيوب . لما حورب بالمجد الباطل .

سأله لكي يشعره بجهله و ضعفه . أين كنت حين أسست الأرض ؟‍! أخبر إن كان عندك فهم ( أي 38 : 4 ) ليس المقصود طبعاً معرفة أين كان وقت الخلق ، لأنه لم يكن قد ولد بعد . إنما السؤال يقصد به التعجيز ، و إشعاره بجهله .

و هكذا استمر الله في أسئلته لأيوب " هل في أيامك  أمرت الصبح ..؟ هل تربط أنت عقد الثري ؟ ( أي 38:12 ،31 ) .

كلها أسئلة ليس المقصود بها طلب المعرفة .

كذلك حتى أسلوبنا نحن مع الله دائماً يختلف .

فمثلاً حينما تقول يا رب اغفر لي و سامحني . كلمة ( اغفر ) في اللغة العربية فعل أمر ، و كذلك سامح . ولكننا لا نأمر في الصلاة بل نتوسل ...

 


 نعم ، توجد آيات كثيرة ،نذكر من بينها :

قال بولس الرسول عن اليهود " .. و منهم المسيح حسب الجسد ، الكائن علي الكل إلهاً مباركاً إلي الأبد آمين " ( رو 9 : 5 ) . مقدمة إنجيل يوحنا واضحة جداً . إذ ورد فيها :

" في البدء كان الكلمة ، و الكلمة كان عند الله ، و كان الكلمة الله " ( يو 1 : 1 ) . و في نفس الفصل ينسب إليه خلق كل شئ ، فيقول " كل شئ به كان . و بغيره لم يكن شئ مما كان " ( يو 1 : 3 ) . و عن لاهوت المسيح و تجسده يقول بولس الرسول في رسالته الأولي غلي تيموثاوس " و بالإجماع عظيم هو سر التقوى ، الله ظهر في الجسد " ( 1 يو 3 : 16 ) . و عن هذا الفداء الذي قدمه المسيح كإله يقول الرسول إلي أهل أفسس " أحترزوا إذن لنفسكم و لجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة ، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه " ( أع 20 : 28 ) و طبعاً ما كان ممكناً أن الله يقتني الكنيسة بدمه ، لولا أنه أخذ جسداً ، سفك دمه علي الصليب .

ولقد اعترف القديس توما الرسول بلا هوت المسيح ، لما وضع أصبعه علي جروحه بعد قيامته ، و قال له " ربي و إلهي " ( يو 20 : 28 ). و قد قبل السيد المسيح من توما هذا الإيمان بلا هوته . و قال له موبخاً شكوكه " لأنك رأيتني يا توما آمنت . طوبى للذين آمنوا و لم يروا " . و حتي إسم السيد المسيح الذي بشر به الملاك ، قال " و يدعون اسمه عمانوئيل ، الذي تفسيره الله معنا " ( مت 1 : 23 ) .

و كان هذا إتماماً لقول النبي أشعياء " و لكن يعطيكم السيد نفسه آية . ها العذراء تحبل و تلد ابناً ،و تدعو اسمه عمانوئيل " ( أش 7 : 14 ) ، لقد صار الله نفسه آية للناس بميلاده من العذراء .

و ما أكثر الآيات التي تنسب كل صفات الله للمسيح .


  السيد المسيح إستخدم لقب ابن الإنسان . و لكن كان يقول أيضاً إنه ابن الله ...

قال هذا عن نفسه في حديثه مع المولود أعمي ، فاَمن به و سجد له ( يو 9 : 35 – 38 ) .و كان يلقب نفسه أحياناً [ الابن ] بأسلوب يدل علي لاهوته كقوله " لكي يكرم الجميع الإبن ، كما يكرمون الآب " ( يو 5 : 21 – 23 ) . و قوله أيضا " ليس أحد يعرف من هو الإبن إلا الآب . و لا من هو الآب إلا الابن ، و من أراد الابن أن يعلن له " ( لو 10 : 22 ) . و قوله ايضاً عن نفسه " إن حرركم الابن فبالحقيقة أنتم أحرار " ( يو 8 : 36 ) .

و قد قبل المسيح أن يدعي ابن الله ، و جعل هذا أساساً للإيمان و طوب بطرس علي هذا الإعتراف .

قبل هذا الإعتراف من نثنائيل ( يو 1 : 49 ) ، و من مرثا ( يو 11 : 27 ) ، و من الذين رأوه " ماشياً علي الماء " ( مت 14 : 33 ) . و طوب بطرس لما قال له " أنت هو المسيح ابن الله " . و قال " طوباك يا سمعان بن يونا . إن لحماً و دماً لم يعلن لك ، لكن أبي الذي في السموات " ( مت 16 : 16 ، 17 ) .

و في الإنجيل شهادات كثيرة عن أن المسيح ابن الله .

إنجيل مرقس يبدأ بعبارة "بدء إنجيل يسوع المسيح إبن الله " ( مر 1 : 1 ) . و كانت هذه هي بشارة الملاك للعذراء بقوله " فلذلك القدوس المولود منك يدعي إبن الله " ( لو 1 : 35 ) . بل هذه كانت شهادة الآب وقت العماد ( مت 3 : 17 ) ، و علي جبل التجلي ( مر 9 : 7 ) ، (2 بط 1 : 17 ، 18 ) . و قول الآب في قصة الكرامين الأردياء " أرسل إبني الحبيب " ( لو 20 : 13 ) . و قوله أيضاً " من مصر دعوت إبني " ( مت 2 : 15 ) . و كانت هذه هي كرازة بولس الرسول ( أع 9 : 20 ) ، و يوحنا الرسول ( 1 يو 4: 15 ) ، و باقي الرسل .

إذن لم يقتصر الأمر علي لقب ابن الإنسان .

بل إنه دعي ابن الله ، و الابن ، و الابن الوحيد . و قد شرحنا هذا بالتفصيل في السؤال عن الفرق بين بنوتنا لله ،و بنوة المسيح لله . بقي أن نقول :

استخدم المسيح لقب ابن الإنسان في مناسبات تدل علي لاهوته .

1-فهو كابن الإنسان له سلطان أن يغفر الخطايا .

و هذا واضح من حديثه مع الكتبة في قصة شفائه للمفلوج ، إذ قال لهم : و لكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً علي الأرض أن يغفر الخطايا ، حينئذ قال للمفلوج قم إحمل سريرك و إذهب إلي بيتك ( مت 9 : 2 – 6 ) .

2- وهو كابن الإنسان يوجد في السماء و الأرض معاً .

 كما قال لنيقوديموس " ليس أحد صعد إلي السماء ، إلا الذي نزل من السماء ، ابن الإنسان الذي هو في السماء " ( يو 3 : 13 ) . فقد أوضح أنه موجود في السماء ، نفس الوقت الذي يكلم فيه نيقوديموس علي الأرض . و هذا دليل علي لاهوته .

3- قال إن ابن الإنسان هو رب السبت .

فلما لامه الفريسيون علي أن تلاميذه قطفوا السنابل في يوم السبت لما جاعوا ، قائلين له " هوذا تلاميذك يفعلون ما لا يحل فعله في السبوت " شرح لهم الأمر و قال ط فإن ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً " ( مت 12 : 8 ) . و رب السبت هو الله .

4- قال إن الملائكة يصعدون و ينزلون علي ابن الإنسان .

لما تعجب نثنائيل من معرفة الرب للغيب في رؤيته تحت التينة و قال له " يا معلم أنت ابن الله " لم ينكر أنه ابن الله ن غنما قال له " سوف تري أعظم من هذا .. من الآن ترون السماء مفتوحة ، و ملائكة الله يصعدون و ينزلون علي ابن الإنسان " ( يو 1 : 48 – 51 ) . إذن تعبير ابن الإنسان هنا ، لا يعني مجرد بشر عادي ، بل له الكرامة الإلهية .

5- و قال إن ابن الإنسان يجلس عن يمين القوة و يأتي علي سحاب السماء .

فلما حوكم و قال له رئيس الكهنة " استحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله ؟ أجابه " أنت قلت . و أيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة و اَتياً علي سحاب السماء " ( مت 26 : 63 – 65 ) . و فهم رئيس الكهنة قوة الكلمة ، فمزق ثيابه ، و قال قد جدف . ما حاجتنا بع إلي شهود ! و نفس الشهادة تقريباً صدرت عن القديس اسطفانوس إذ قال في وقت استشهاده " ها أنا أنظر السماء مفتوحة ،و ابن الإنسان قائم عن يمين الله " ( اع 7 : 56 ) .

6- و قال إنه كابن الإنسان سيدين العالم .

و المعروف أن الله هو  " ديان الأرض كلها " ( تك 18 : 25 ) . و قد قال السيد المسيح عن مجيئه الثاني " إن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه ، مع ملائكته و حينئذ يجازي كل واحد حسب عمله " ( مت 16 : 27 ) . و نلاحظ هنا في قوله " مع ملائكته، نسب الملائكة إليه و هم ملائكة الله .

 ونلاحظ في عبارة ( مجد أبيه ) معني لاهوتياً هو :

7- قال إنه هو ابن الله له مجد أبيه ، فيما هو ابن الإنسان .

ابن الإنسان يأتي في مجد أبيه ، اي في مجد الله أبيه . فهو إبن الإنسان ، و هو إبن الله في نفس الوقت . و له مجد أبيه ، نفس المجد .. ما أروع هذه العبارة تقال عنه كإبن  الإنسان إذن هذا اللقب ليس إقلالاً للاهوته ...

8- وقال إنه كابن الإنسان يدين العالم ، يخاطب بعبارة ( يا رب ) .

فقال : و متي جاء ابن الإنسان في مجده ، و جميع الملائكة القديسين معه ، فحينئذ يجلس علي كرسي مجده ، و يجتمع أمامه جميع الشعوب .. فيقيم الخراف عن يمينه ،و الجداء عن يساره . فيقول للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم ..فيجيبه الأبرار قائلين : يا رب متي رأيناك جائعاً فأطعمناك .."( مت 25 : 31 – 37 ) . عبارة ( يا رب ) تدل علي لاهوته . و عبارة ( أبي ) تدل علي أنه ابن الله فيما هو ابن الإنسان . فيقول " إسهروا لأنككم لا تعلمون في اية ساعة يأتي ربكم " ( مت 24 :42 ) . فمن هو ربنا هذا ؟ يقول " إسهروا إذن لأنكم لا تعلمون اليوم و لا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان " ( مت 25 : 13 ) . فيستخدم تعبير ( ربكم ) و ( ابن الإنسان ) بمعني واحد .

9- كابن الإنسان يدعو الملائكة ملائكته ،و المختارين مختاريه ، و الملكوت ملكوته .

قال عن علامات نهاية الأزمنة " حينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء . و يبصرون ابن الإنسان اَتياً علي سحاب السماء بقوة و مجد كثير . فيرسل ملائكته ببوق عظم الصوت ، فيجمعون مختاريه .." ( مت 24 : 29 – 31 ) . و يقول أيضاً " هكذا يكون في إنقضاء هذا العالم : يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر و فاعلي الإثم ، و يطرحونهم في أتون النار " ( مت 13 : 40 –41 ) . و واضح طبعاً إن الملائكة ملائكة الله ( يو 1 : 51 ) ،و الملكوت ملكوت الله ( مر 9 : 1 ) ، و المختارين هم مختارو الله .

10- ويقول عن الإيمان به كابن الإنسان ، نفس العبارات التي قالها عن الإيمان به كإبن الله الوحيد .

قال " و كما رفع موسي الحية في البرية ، ينبغي أن يرفع ابن الإنسان ، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية . لأنه هكذا أحب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد ، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية " ( يو 3 : 14 – 16 ) . هل ابن الإنسان العادي ، يجب أن يؤمن الناس به ،لتكون لهم الحياة الأبدية . أم هنا ما يقال عن ابن الإنسان هو ما يقال عن ابن الله الوحيد .

11- نبوءة دانيال عنه كابن للإنسان تحمل معني لاهوته .

إذ قال عنه " و كنت أري رؤيا الليل ، و إذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان . أتي وجاء إلي قديم الأيام فقربوه قدامه . فأعطي سلطاناً و مجداً و ملكوتاً . لتتعبد له كل الشعوب و الأمم و الألسنة . سلطانه سلطان ابدي ما لن يزول . و ملكوته ما لن ينقرض " ( دا 7 : 13 ،14 ) . من هذا الذي تتعبد له كل الشعوب ، و الذي له سلطان أبدي و ملكوته أبدي ، سوي الله نفسه .. ؟!

12 – قال في سفر الرؤيا إنه الألف و الياء ، الأول و الآخر ...

قال يوحنا الرائي " و في وسط المنائر السبع شبه ابن الإنسان .. فوضع يده اليمني علي قائلاً لي : لا تخف أنا هو الأول و الآخر ، و الحي و كنت ميتاً . و ها أنا حي إلي أبد الآبدين  اَمين " ( رؤ 1 : 13 – 18) .و قال في اَخر الرؤيا " ها أنا اَتي سريعاً و أجرتي معي ، لأجازي كل واحد كما يكون عمله . أنا الألف و الياء . البداية و النهاية . الأول و الآخر " ( رؤ 22 : 12 ، 13 ) . و كل هذه من ألقاب الله نفسه ( أش 48 : 12 ، أش 44 : 6 ) .

v    v     v

مادامت كل هذه الآيات تدل علي لاهوته .. إذن لماذا كان يدعو نفسه ابن الإنسان ، و يركز علي هذه الصفة ؟

دعا نفسه ابن الإنسان لأنه سينوب عن الإنسان في الفداء .

إنه لهذا الغرض قد جاء ، يخلص العالم بأن يحمل خطايا البشرية ، وقد أوضح غرضه هذا بقوله " لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يخلص ما قد هلك " ( مت 18 : 11 ) . حكم الموت صدر ضد الإنسان ، فيجب أن يموت الإنسان . و قد جاء المسيح ليموت بصفته ابناً للإنسان ، ابناً لهذا الإنسان بالذات المحكوم عليه بالموت .

لهذا نسب نفسه إلي الإنسان عموماً ..

إنه ابن الإنسان ، أو ابن البشر .و بهذه الصفة ينبغي أن يتألم و يصلب و يموت ليفدينا . و لهذا قال " ابن انسان سوف يسلم لأيدي الناس ، فيقتلونه ، و في اليوم الثالث يقوم " ( مت 17 : 23 ، 24 ) ( مت 26 : 45 ) .

 و ايضاً " ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيراً ،و يرفض من الشيوخ و رؤساء الكهنة و الكتبة ، و يقتل و بعد ثلاثة ايام يقوم " ( مر 8 : 31 ) .

حقاً ، إن رسالته كابن الإنسان كانت هي هذه .

ابن الإنسان قد جاء لكي يخلص ما قد هلك ( مت 18 : 11 ) .



 هذه الآية لا تدل علي أن الآب أعظم من الابن ، لأنهما واحد في الجوهر و الطبيعة و اللاهوت .

و أحب أن أبين هنا خطورة استخدام الآية الواحدة .

فالذي يريد أن يستخرج عقيدة من الإنجيل ، يجب أن يفهمه ككل ، و لا يأخذ آية واحدة مستقلة عن باقي الكتب ، ليستنتج منها مفهوماً خاصاً يتعارض مع روح الإنجيل كله ، و ينتافض مع باقي الإنجيل . و يكفي هنا أن نسجل ما قاله السيد المسيح :

" أنا و الآب واحد " ( يو 10 : 30 ) .

واحد في اللاهوت ،و في الطبيعة و في الجوهر . و هذا ما فهمه اليهود من قوله هذا ، لأنهم لما سمعوه " امسكوا حجارة ليرجموه " ( يو 10 : 31 ) . و قد كرر السيد المسيح نفس المعني مرتين في مناجاته مع الآب ، غذ قال له عن التلاميذ " أيها الآب احفظهم في اسمك الذين أعطيتني ، ليكونوا واحداً كما أننا واحد " ( يو 17 : 11 ) . و كرر هذه العبارة أيضاً " ليكونوا واحداً " ، كما أننا لاهوت واحد و طبيعة واحدة .

و ما أكثر العبارات التي قالها عن وحدته مع الآب .

مثل قوله " من راَني فقد رأي الآب " ( يو 14 : 9 ) .

و قوله للآب " كل ما هو لي ، فهو لك ، فهو لي " ( يو17 : 10 ) .و قوله عن هذا لتلاميذه " كل ما للآب ، هو لي " ( يو 16 : 15 ) . إذن فهو ليس أقل من الآب في شئ ، ما دام كل ما للآب هو له ... و أيضاً قوله " إني في الآب ، و الآب في " ( يو 14 : 11 ) ( يو 10: 37 ، 38 ) ، و قوله للأب " أنت أيها الآب في ، و أنا فيك " ( يو 17 : 21 ) ... و ماذا يعني أن الآب فيه ؟ يفسر هذا قول الكتاب عن المسيح أن " فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً " ( كو 2 : 9 ) .

 

v    v     v

إذن ما معني عبارة " أبى أعظم مني " و في أية مناسبة قد قيلت ؟ و ما دلالة ذلك ؟

قال " أبي أعظم مني " في حالة إخلائه لذاته .

كما ورد في الكتاب " لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله . لكنه أخلي ذاته ، أخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس .." ( في 2 : 6، 7 ) . أي أ، كونه معادلاً أو مساوياً للآب ، لم يكن أمراً يحسب خلسة ، أي يأخذ شيئاً ليس له . بل و هو مساو للآب ، أخلي ذاته من هذا المجد ، في تجسده ، حينما أخذ صورة العبد . و في إتحاده بالطبيعة البشرية ، صار في شبه الناس ...

فهو علي الأرض في صورة تبدو غير ممجدة ، و غير عظمة الآب الممجد .

علي الأرض تعرض لانتقادات الناس و شتائمهم و اتهاماتهم . و لم يكن له موضع يسند فيه رأسه ( لو 9 : 58 ) . و قيل عنه في سفر أشعياء إنه كان " رجل أوجاع و مختبر الحزن " " محتقر و مخذول من الناس " " لا صورة له و لا جمال ، و لا منظر فنشتهيه " ( أش 53 : 2 ، 3 ) . و قيل عنه في الآمه إنه " ظلم ، أما هو فتذلل و لم يفتح فاه " ( أش 53 : 7 ) . هذه هي الحالة التي قال عنها " أبي أعظم مني ".

لأنه أخذ طبيعتنا التي يمكن أن تتعب و تتألم و تموت .

و لكنه أخذها بإرادته لأجل فدائنا ، أخذ هذه الطبيعة البشرية التي حجب فيها مجد لاهوته علي الناس ، لكي يتمكن من القيام بعمل الفداء .. علي أن احتجاب اللاهوت بالطبيعة البشرية ، كان عملاً مؤقتاً انتهي بصعوده إلي السماء و جلوسه عن يمين الآب .. و لذلك قبل أن يقول " ابي أعظم مني " قال مباشرة لتلاميذه :

" لو كنتم تحبونني ، لكنتم تفرحون لأني قلت أمضي إلي الآب ، لأن أبي أعظم مني " ( يو 14 : 28 ) .

أي أنكم حزانى الآن لأني سأصلب و أموت . و لكنني بهذا الأسلوب : من جهة سأفدى العالم و أخلصه . و من جهة أخري ، سأترك إخلائي لذاتي ، و أعود للمجد الذي أخليت منه نفسي . فلو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون إني ماض للآب ... لأن أبي أعظم مني .

أي لأن حالة أبي في مجده ،أعظم من حالتي في تجسدي .

إذن هذه العظمة تختص بالمقارنة بين حالة التجسد و حالة ما قبل التجسد . و لا علاقة لها مطلقاً بالجوهر و الطبيعة و اللاهوت ، الأمور التي قال عنها " أنا و الآب واحد " ( يو 10 : 3 ) . فلو كنتم تحبونني ، لكنتم تفرحون أني راجع إلي تلك العظمة و ذلك المجد الذي كان لي عند الآب قبل كون العالم ( يو 17 : 5 ) .

لذلك قيل عنه في صعوده و جلوسه عن يمين الآب إنه " بعد ما صنع بنفسه تطهيراً عن خطايانا ، جلس في يمين العظمة في الأعالي " ( عب 1 : 3 ) .

 و قيل عن مجيئه الثاني أنه سيأتي بذلك المجد الذي كان له .

قال إنه " سوف يأتي في مجد أبيه ، مع ملائكته . و حينئذ يجازي كل واحد حسب عمله " ( مت 16 : 27 ). و مادام سيأتي في مجد أبيه ، إذن ليس هو أقل من الآب ...

و قال ايضاً إنه سيأتي " بمجده و مجد الآب " ( لو 9 : 26 ) .

و يمكن أن تؤخذ عبارة " أبى أعظم مني " عن مجرد كرامة الأبوة .

مع كونهما طبيعة واحدة و لاهوت واحد . فأي ابن يمكن أني يعطي كرامة لأبيه و يقول " ابي أعظم مني " مع أنه من نفس طبيعته و جوهر . نفس الطبيعة البشرية ، و ربما نفس الشكل ، و نفس فصيلة الدم .. نفس الطبيعة ، و نفس الجنس و اللون ز مع أنه مساو لأبيه في الطبيعة ، إلا أنه يقول إكراماً للأبوة أبي أعظم مني . 

أي أعظم من جهة الأبوة ، و ليس من جهة الطبيعة أو الجوهر .

أنا – في البنوة – في حالة من يطيع .

وهو – في الأبوة – في حالة من يشاء .

و في بنوتي أطلعت حتى الموت موت الصليب ( في 2 : 8 ) .


أولاً : الأيقونة التي رأيتها في الخارج ، فيها اكثر من خطأ :

أ-الخطأ الأول هو تصوير الآب . بينما الإنجيل يقول " الله لم يره أحد قط . الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر " ( يو 1 : 18 ) .

و لذلك لما أراد الآب أن نراه ، رأيناه في ابنه الظاهر في الجسد ( 1 تي 3 ك 16 ) . و هكذا قال السيد المسيح " من راَني فقد رأي الآب " ( يو 14 : 9 ) . 

ب- الخطأ الثاني هو تصوير الآب بلحية بيضاء ، و الابن بلحية سوداء ، مما يوحي بأن الآب أكبر من الابن سناً . و هذا خطأ لاهوتي ، لأنهما متساويان في الأزلية . و لم يحدث في وقت من الأوقات أن الآب كان بغير الابن . فالابن اللوجوس Logos هو عقل الله الناطق ، أو نطق الله العاقل ( الكلمة ) .و عقل الله كان في الله منذ الأزل . بلا فارق زمني . و لهذا فإنني عندما رأيت هذه الصورة في مشاهدتي لكنائس الفاتيكان سنة 1973 – قلت للكاردينال الذي يرافقني " هذه الصورة أريوسية . ربما الفنان الذي رسمها كانت له موهبة فنية كبيرة . و لكن بغير دراسة لاهوتية سليمة " ...

v    v     v

ثانياً : الابن يكون أصغر من الآب في الولادة الجسدانية ، و لكن ليس في الفهم اللاهوتي . و ممكن أن توجد ولادة طبيعية بغير فارق زمني .

فمثلاً الحرارة تولد من النار ، بدون فارق زمني . لأنه لا يمكن أن توجد نار بدون حرارة تتولد منها . إنها ولادة طبيعية ، لا نقول فيها إن المولود أقل عمراً أو زمناً .

v    v     v

مثال اَخر هو ولادة الشعاع من الشمس ، بلا فارق زمني علي الإطلاق .

هذه هي خصائص الولادة الطبيعية ، و هي غير الولادة الجسدية الزمنية .

إنها كولادة النبض من القلب ، و ولادة الفكر من العقل ، و القياس مع الفارق ...


بحث
أصدقاء الموقع
  • انشاء موقع
  • إنشاء موقع
    Copyright MyCorp © 2024 تصميم موقع مجاني с uCoz

    أضفنا إلى المفضلة

    البداية