منذ
القدم تغيرت التواريخ...فنجد الأسرة الأولى والثانية حتى نهاية الأسر
الفرعونية... وعندما ولد السيد المسيح أصبح التقويم يسمى بالميلادي نسبة
إلى ميلاد يسوع المسيح .. ولكن عند إضطهاد المسيحية في روما على يد نيرون
في القرن الأول المسيحي .. وخاصة في عام 284 ميلادية عندما تولى الحكم
الامبراطور دقلديانوس أشد الأباطرة بطشاً وفتكاً لإبادة المسيحية.. فلم يجد
المسيحيين الأقباط بداً في أن يجعلوا عصره هو بداية عصر الإضطهاد .. وفنون
التعذيب والقتل لعدد هائل من الشهداء والقديسيين الذين روت دمائهم كل شبر
من أرض مصر حتى أن القرى قد أبيدت بالكامل على يد سفرائه وولاته.
ونظرا
لفظاعة الإضطهاد على الكنيسة وكذا عدد الشهداء.. سمي هذا "بعصر الشهداء"
وقد ربطت الكنيسة بين "عيد النيروز" ويبدأ بأول توت وهو أول شهور السنة
القبطية بتذكار الشهداء.. ومن ناحية أخرى إرتبط هذا الزمان بقدوم "فيضان
النيل".. فجعلوا رأس سنتهم الزراعية رأسا لتقويم جديد أسموه "عصر الشهداء"
حيث إستبدلوه من ذكرى فيضان النيل بذكرى فيضان دماء الشهداء العزيزة..
وهكذا قسموا السنة القبطية إلى ثلاثة فصول هي الفيضان والزراعة والحصاد..
ولايزال موجود في الريف ومحافظات الصعيد لإرتباطه بالزراعة على مدار أشهر
السنة نظرا لدقته الشديدة للمواسم الزراعية.
وفي
"عيد النيروز" رأس السنة القبطية نذكر جميع الشهداء بكل إعزاز وتقدير
فالشهيد هو الذى يشهد للرب يسوع المصلوب لأجل خلاصنا.. وقد امتلأ قلبه
بالحب للمخلص.. وهو مدين للمسيح بحياته.. وفضل أن يشهد لمخلصنا وقيامته من
الأموات عن إنكار المسيح الذى أعد لنا مكان فى مملكته السماوية.
ومن
أشهر الشهداء نذكر أول شهيد على أرض مصر .. وهو القديس العظيم مرقس الرسول
كاروز الديار المصرية.. وذلك عندما عذب وسالت دماؤه لتمسكه بالإيمان
الصحيح .. وتأسيس كنيسة الإسكندرية.
وتوالت
أحداث سفك دماء الشهداء على مر العصور .. ومن هؤلاء القديسين الشجعان
المشهورين فى الكنيسة القبطية.. العظيم مارجرجس.. ومارمينا ومرقوريوس
أبوسيفين.. والقديس أبسخيرون القللينى.. والقديسة دميانة والأربعين عذراء
والطفل أبانوب والقديس إستفانوس وغيرهم من الأبرار الذين قدموا أنفسهم
ذبيحة حية أمام محبة الله محب البشر.
استطاع
الفنان القبطي أن يبرز بكل دقة تفاصيل عذابات الشهداء والعديد من المعجزات
التى حدثت لهم شخصياً أو التى تمت بواسطتهم وتشفعاتهم أمام رب الجنود
ليساعد أولاده وينقذهم من الضيقات. فرسم القديس بطل الأيقونة فى شكل جندى
بحجم كبير يمتطى جواداً.. وهذا دليل النصرة.. واضعاً على كتفه عباءة من
اللون القرمزى وهو اللون الملوكى المفضل فى الماضى.. كما أنه يلبس درعه من
الذهب.. والرداء باللون الأبيض.. بينما يتضاءل بجانبه أى شئ آخر.. فتبدو
الأبنية والأشخاص الأشرار وخصوصاً من قاموا بتعذيبهم بأحجام صغيرة وكأن
الفنان أراد جذب أنظارنا نحو القديس بطل أيقونته.. ويقول لنا إن كل الآلام
التى مر بها.. وكل ما قام بتعذيبه كلهم أقزام. ونلاحظ علامة الصليب المرسوم
فى معظم الأيقونات ترمز بالقوة والنصرة فى المسيح، والفضائل المسيحية هى
أسلحة للنور وبالإيمان يقهر العدو الشرير.
كما
رسمت فى الأيقونة كلتا العينين واسعتان دليل على البصيرة الروحية التى
تمتع بها القديس أو القديسة.. ونلاحظ أيضاً الأنف دقيقة والفم رسم بابتسامة
رقيقة بدون ألوان براقة.. وذلك يرمز على أن هؤلاء الأبرار عاشوا زاهدين فى
الحياة.. كما نجد رسم هالة من النور على رأس صاحب الأيقونة.. وذلك لإظهار
كرامة المجد الذى حصل عليه من خلال تعاليم السيد المسيح له المجد.
أما
عن تكريم هؤلاء الشهداء والقديسيين فقد رسم الفنان في كل العصور وحتى
يومنا هذا تلك الإبداعات بصورة في شكل أيقونة مميزة للقديس أو القديسة يمكن
من خلالها أن يصل عامة الناس والصغير قبل الكبير إلى معرفة شخصية صاحب
الأيقونة وقصتها.. وما أنعمت به السماء عليه من أكاليل.. ومكانة صاحب
الأيقونة أمام رب القوات دون أن يقرأ ماهو مكتوب عليها.
وهكذا
نجد المعنى وراء لغة الألوان عميقا.. فاللون الأحمر تعبير في تكوين العمل
الفني ونسيجه عن موضوعات الكتاب المقدس وما حدث للشهداء.. ونلاحظ شفافية
اللون الأبيض الذي يرمز على النقاء والطهارة والسلام .. واللون الأزرق لون
السماء الصافية ويرمز للماء والحياه .. واللون الأخضر يدل على النماء
والنضارة .. وبعض الألوان يرمز للأبنية والأرض.. وهكذا فاللون المرسوم
يتحول إلى أحاسيس ومشاعر كالحياة والموت.
عندما
تعيد الكنيسة القبطية بأعياد الشهداء على مدار العام .. وعيد النيروز
خاصة إنما تقدم نماذج لبعض الشهداء الذين ثبتوا على الإيمان محبةً في
المسيح وعدم التزعزع .. وحتى تكون هذه الأعياد حافزا لنا أن نكون نحن أيضاً
ثابتين على إيماننا.. إذا تعرضت حياتنا لنوع من الضيق أو الألم أو
الاضطهاد.. فالأيقونة القبطية نموذجاً ومثلاً أعلى لنا أن نعطى حياتنا بحب
مثلما قال مخلصنا الصالح.. "ليس حب أعظم من هذا أن يبذل أحد نفسه عن
أحبائه".. لكى تبقى كلمة الله تقرأ فى الكنائس وتعلم الإيمان والحب
والسلام.. والخير للإنسانية حتى نصل إلى الأبدية فى آخر السنين.